من خلال الإطلاع على المسودة و دون الإغراق في إنتقادها أو التوسع في معارضة ما تضمنته من مثالب إلاّ أنني أود إبداء ملاحظاتي ” الشخصية ” التي لا ألزم بها أحد .
الملاحظة الأولى / أن هذه المسودة وطنت و رسخت مبدأ أن ليبيا ليست وحدة واحدة و إنما هي مجموع لثلاث أقاليم و أنشئت ما يسمى بالدوائر الإنتخابية الثلاث ( طرابلس و برقة و فزان ) بل أن المادة الأولى أكدت ذلك حينما نصت أن ليبيا لا تقبل التجزئة أو التنازل عن أي جزء من ” إقليمها ” و بالتالي فإن هذه المسودة دسترت فكرة الأقاليم الثلاث ، و هذا في رأيي منحنى خطير سيورث الأجيال القادمة مفهوم الإنتماء و العصبية للإقليم لا للوطن و الدولة مجرد هجين من مجموع ثلاث أقاليم و يجعل من طبيعة الإختلافات في المستقبل قائمة على أسس جهوية و مناطقية و ليس على أسس سياسية و موضوعية ، و هذا في حد ذاته يهدد وحدة ليبيا حسب رأيي .
الملاحظة الثانية / إتسمت المسودة بطابع المجاملة و الترضية للأقاليم و المكونات الثقافية و إتبعت أسلوب ” الرشوة الدستورية ” و حرصت على منح عطايا لكل إقليم و ميزات لكل مكون ثقافي على نحو لا يخلو من الإسفاف و التكلف ، و على سبيل المثال ، لا أعتقد أن مدينة سبها و الجنوب عموماً بحاجة إلى ” رشوة دستورية ” بتوطين مقر المحكمة الدستورية فيه ، الجنوب بحاجة إلى خدمات صحية ترفع عنهم الحاجة إلى تجشّم مشقة السفر إلى العاصمة أو خارج الدولة لغرض جرعة تطعيم أو إبرة إنسولين و الجنوب بحاجة إلى مدارس نموذجية تنشر العلوم و الثقافة و تأهيل الأجيال دون الإضطرار إلى الغرق في مستنقعات التخلف و الفقر ، أما العطايا الدستورية فلا تنفع إلى لا لترسيخ ثقافة المحاصصة و توزيع الغنائم و التأكيد على مبدأ ” وين حصتنا ” و لا يمكن لدستور محترم أن يتبنى هذا الفكر المتخلف .
الملاحظة الثالثة / أرست هذه المسودة مبدأً خطير و هو التفريط في رعاية و حماية المواطن الليبي بأن أجازت تسليم الليبيين للسلطات الأجنبية حيث أباحت تسليم الليبي للأجنبي وفق ” إلتزام دولي ” لجهة قضائية دولية و في هذا إجازة للسلطة التشريعية بإبرام أي إتفاق يجيز تسليم الليبيين للأجنبي و في ذات الوقت الإنتقاص من سلطة و سيادة القانون و القضاء الوطني على مواطنيه و تغليب القضاء الأجنبي عليه ” للأسف ”
الملاحظة الرابعة / إلغاء مجانية الخدمات الصحية للمواطن حيث نصت المادة 53 صراحةً على مجانية التعليم إلاّ أن المادة 49 لم تنص على مجانية الخدمات الصحية للمواطن و استعاضت عن التقرير بالمجانية بعبارة فضفاضة ” وفق نظام تكافلي مناسب ” و هذا في رأيي إنتكاسة كبيرة في حق المواطن الليبي الذي يستحق أن يحظى برعاية صحية مجانية ، و في سياق متصل بالرعاية الصحية حظرت المادة 49 الإمتناع عن تقديم العلاج بمختلف أشكاله في حالات الطوارئ و الخطر على الحياة و المستفاد من هذا النص أن الإمتناع عن تقديم العلاج جائز في غير هذه الحالات !!
ربما لأن العلاج بمقابل و ليس بالمجان و من حق القطاع الصحي الإمتناع عن تقديم العلاج في حال عجز المريض عن الدفع !!!!
الملاحظة الخامسة / إستحداث سلطة تشريعية من غرفتين سُميت بمجلس الشورى غرفتها الأولى مجلس النواب و الثانية مجلس الشيوخ ، و لعل المطلع على أساس تشكيل مجلس الشيوخ و العدد الجزافي و الغريب لأعضاء المجلس يكتشف و بسهولة أن هذا المجلس هو الممثل الدستوري و التاريخي للأقاليم الليبية الثلاث ( طرابلس و برقة و فزان ) 78 عضو عن الأقاليم الثلاث ،لماذا ؟ و ما الحكمة و الحاجة من ذلك ؟ كل هذا غير معروف اللهم إلا ترسيخ للإنقسام و التشظي و تأسيس لدولة هشة الإنتماء الولاء فيها للإقليم و ليس للوطن فالإقليم وفق هذه المسودة هو الوطن .
الملاحظة السادسة / خلق جسم قضائي جديد خارج رحم السلطة القضائية و هو المحكمة الدستورية التي هي كذلك يتم تشكيلها وفقاً لمبدأ المحاصصة فنصف أعضائها من إختيار المجلس الأعلى للقضاء و النصف الآخر قسمة خوت بين رئيس الدولة و السلطة التشريعية علماً أن هذه الحصة الأخيرة للأهل و الأصحاب و الأحباب من خارج السلطة القضائية و من ثم تكون المحكمة الدستورية ظاهرها و رئاستها من القضاء و باطنها و نصف أعضائها من خارج القضاء يتم إختيارهم قطعاً وفقاً للولاء و الهوى كيف لا و كل ما في هذه المسودة مبني على المحاصصة و يؤسس لمبدأ الإقليم و المناطق و المكونات الثقافية حتى لا نكاد أن نرى ليبيا في هذا الدستور ، و بذلك سيكون القضاء الدستوري قضاء ” سياسي إلى حد بعيد” بالذات في تشكيله و إختيار أعضاء المحكمة الدستورية و هذا في رأيي أم المصائب التي ستحل على البلاد و القضاء .
هذه ملاحظات بسيطة على ما هو موجود داخل هذه المسودة دون التطرق إلى ما كان يجب أن يكون فيها ، مع خالص تقديري و إحترامي لأعضاء الهيئة في أشخاصهم و لكن لا مجاملة على حساب الوطن .
أنس أبو شعالة/ محامي ليبي