حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هي ذاتها حقوق الإنسان، لذلك نفضل بادىء ذى بدء أن نطلق عليها“الحقوق الإنسانية للأشخاص ذوي الإعاقة”. لكن هذه الحقيقة الدستورية والإنسانية لم تلق تطبيقاً على مستوى النصوص القانونية أو في الواقع العملي، على الرغم من تصديق مصر على كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى الرغم من الارتفاع بحقوق هؤلاء الأشخاص إلى مصاف الحقوق الدستورية. فلا يوجد في مصر حتى الآن تشريعات حمائية خاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فيما عدا القانون رقم 39 لسنة 1975، وهو قانون يتعلق بالرعاية الاجتماعية لهم.
لكن منذ ثورة 30 يونيه 2013 أخذ الاهتمام بحقوق ذوي الإعاقة منحى جديداً، وتوافرت الإرادة السياسية لاعتبارهم من أصحاب الحقوق وليسوا من مستحقي الرعاية. فكان تمثيلهم في لجنة الخمسين التي صاغت دستور ثورتي 25 يناير و30 يونيه بداية حقيقية للإعتراف بحقوقهم. فأثمر هذا الإعتراف نصوصاً دستورية تكرس هذه الحقوق، وترجم التطبيق العملي هذه النصوص بحيث صار لهم نوابهم داخل البرلمان. وأظهرت القيادة السياسية ممثلة في رئيس الدولة اهتماماً خاصاً بذوي الإعاقة.
في هذا الإطار وفي وجود هذا الزخم، اهتمت الحكومة بموضوع ذوي الإعاقة، فقدمت إلى البرلمان مشروعاً بقانون لحماية وتفعيل حقوقهم. كما تقدمت النائبة هبة هجرس بمشروع آخر، لضمان الإنتقال بحقوق ذوي الإعاقة من مستوى النصوص الدولية والدستورية المجردة إلى مستوى التطبيق العملي. وقد أحال رئيس مجلس النواب مشروعي القانونين إلى لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة([1]) لدمجهما في مشروع واحد. وهو الأمر الذي انتهت منه اللجنة في النصف الثاني من شهر فبراير. فما هي موجبات القانون المقترح، وما هو محتواه، والتحديات التي تواجهه؟
أولاً: موجبات التشريع المقترح:
هناك عدة أسباب أوجبت على الدولة المصرية الوفاء بإلتزاماتها الدولية والدستورية تجاه فئة من مواطنيها حرمت من حقوقها الإنسانية لسنوات عديدة، وعانت من الإهمال والتهميش بل والإنكار لوجودها ذاته.
1- العدد المتزايد للأشخاص ذوي الإعاقة بين السكان: إذا كانت منظمة الصحة العالمية تقرر أنه يوجد حوالي 15 % من الأشخاص ذوي الإعاقة في كل دولة، فإن هناك عوامل تزيد من هذه النسبة في مصر، مثل الفقر وزواج الأقارب وتدني مستوى الخدمة الطبية ونقص التوعية الصحية. لذلك يقدّر عدد الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة في مصر بحوالي 12 مليون شخص([2]).
2- الموجب الدولي: كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها مصر، منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحتى يومنا هذا، توجب تمتع جميع الأفراد بكافة الحقوق المنصوص عليها فيها دون تمييز لأى سبب أو حرمان من أي حق بسبب الإعاقة أو غيرها من الظروف. ولا ننوى سرد كل هذه المواثيق وهي عديدة، لكننا نذكر منها على وجه الخصوص الإتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة، التي تعد بمثابة التشريع الحقوقي الدولي، لتؤكد التساوي في الحقوق والحريات الأساسية بين المعوقين وغيرهم من الأشخاص، دون أن تكون الإعاقة سبباً في انتقاص أي حق من الحقوق الإنسانية للأشخاص ذوي الإعاقة. هذه الاتفاقية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر 2006، ودخلت حيز النفاذ في 3 مايو 2008 ، مع بروتوكولها الاختياري. وكانت مصر من أوائل الدول التي وافقت عليها بالقرار الجمهوري رقم 400 لسنة 2007 بعد موافقة البرلمان المصري.
وطبقاً للمادة 93 من الدستور المصري لسنة 2014 ” تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة”. مقتضى هذا النص الدستوري أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تحولت إلى قانون وطني ملزم لكافة سلطات الدولة وللأفراد، دون حاجة لإفراغ مضمونها في قانون يقره البرلمان. لكن الحكومة المصرية قدرت ملاءمة إفراغ نصوص الاتفاقية في تشريع داخلي، لا يجوز على أي حال أن يقيد الحقوق التي التزمت بها الدولة المصرية في الاتفاقية بما يمس أصلها وجوهرها (م 92 من الدستور). لذلك نأمل أن يشير نص المادة الأولى من القانون المقترح إلى تمتع ذوي الإعاقة بالحقوق المقررة في هذا القانون “إضافة إلى الحقوق الواردة باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها من المواثيق الدولية ذات الصلة النافذة في مصر”.
3- الموجب الداخلي: اختص الدستور الجديد الأشخاص ذوي الإعاقة بعدة نصوص، أكدت صراحة أو ضمناً الطبيعة الدستورية لحقوقهم الإنسانية. ونرى أهمية ذكر هذه النصوص لأنها تمثل – مع النصوص الدولية – مرجعية القانون محل الدراسة:
– م 53: المواطنون لدى القانون سواء، …….لا تمييز بينهم بسبب ……… الإعاقة، …….. أو لأي سبب آخر.
– م 54: لا يبدأ التحقيق مع من تقيد حريته إلا في حضور محاميه، ……مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة في القانون.
– م 55: كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ……… ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوى الإعاقة.
– م 80: تكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم في المجتمع.
– م 81: تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ونرى أن هذا النص جمع كل حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة التي يجب أن يؤكد عليها القانون المقترح.
– م 180: تلتزم الدولة بالتمثيل المناسب لذوي الإعاقة في المجالس المحلية.
– م 214: أوكلت إلى القانون تحديد المجالس القومية المتخصصة، ومنها المجلس القومي للأشخاص ذوى الإعاقة، ويبين القانون كيفية تشكيله، واختصاصاته، وضمانات استقلال وحياد أعضائه …
– م 244: تعمل الدولة على تمثيل الأشخاص ذوى الإعاقة ، تمثيلاً ملائماً في أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذي يحدده القانون.
وتطبيقاً لهذا النص الأخير عرَّف قانون انتخابات مجلس النواب لسنة 2015 في مادته الثانية المواطن ذا الإعاقة بأنه: “من يعاني من إعاقة لا تمنعه من مباشرة حقوقه المدنية والسياسية على نحو ما يحدده تقرير طبي يصدر وفق الشروط والضوابط التي تضعها اللجنة العليا للانتخابات بعد أخذ رأي المجلس القومي للأشخاص ذوى الإعاقة”. كما نصت المادة الخامسة على وجوب تمثيل الأشخاص ذوى الإعاقة في القوائم بمرشح أو ثلاثة مرشحين حسب الأعداد المخصصة لكل قائمة.
4- عدم وجود قانون شامل لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: القانون الوحيد الناظم لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة هو القانون رقم 39 لسنة 1975 بشأن تأهيل المعاقين[3] وتعديلاته. هذا القانون القديم لم يعد متفقاً مع العصر، ولا مع المواثيق الدولية، ولا مع دستور مصر الثورة، وهو أول دستور مصري يتضمن نصوصاً تكرس هذه الحقوق، بوصفها حقوقاً دستورية لصيقة بشخص المواطن المعوّق، لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً. وهذا القانون الذي صدر منذ أكثر من أربعين عاماً لا يهتمّ إلا بالتأهيل والتشغيل عن طريق تخصيص نسبة معينة من الوظائف والأعمال في القطاعين الحكومي والخاص للأشخاص ذوى الإعاقة. كما توجد بعض النصوص في قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 تتعلق بحماية وتأهيل الطفل المعوّق. وبعد ثورة 25 يناير 2011، صدر قرار رئس مجلس الوزراء رقم 410 لسنة 2012 بإنشاء المجلس القومي لشؤون الإعاقة الذي خضع لعدة تعديلات، آخرها بالقرار 1106 لسنة 2015، الذى قلص من دوره وصلاحياته ونقل الإشراف عليه لوزارة التضامن الاجتماعي. وفي العام 2012 أنشت وحدة شؤون الإعاقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان.
لكل هذه الأسباب كان من الضروري وجود قانون متكامل لحماية الحقوق الثابتة للأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان الخدمات التي تعينهم على الحياة، في إطار التزام دولي ونصوص دستورية تؤكد على حقوق ذوي الإعاقة ، ومناخ عام يدعم التوجه نحو تكريس هذه الحقوق في قانون شامل، وإرادة سياسية مؤيدة لتفعيل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
إن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تستند إلى مبدأ المواطنة ولا ينبغي النظر إليها باعتبارها صدقة أو إحساناً تقدمه الدولة أو جمعيات المجتمع المدني بقدر ما يتبقي من موارد توجه إلى هؤلاء ضمن فئة الفقراء والمحتاجين، وإنما هي جزء أساسي من خطط الدولة التنموية، الاقتصادية والبشرية.
إن فلسفة القانون الذي يجري إعداده في الوقت الحاضر يجب أن تكون هي الإعتراف بحقوق الإنسان لذوي الإعاقة، باعتبارها حقوقاً لصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارستها أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها. لكن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تقبل الزيادة، فمن المقبول تمييزهم إيجابياً عن غيرهم من الأشخاص مراعاة لظروفهم، وبما يخفف من آثار الإعاقة التي يعانون منها، وتعويضاً لهم عن الحرمان الذي عانوا منه في الماضي. فكيف ترجم مشروع القانون المقترح هذه التطلعات والآمال التي ينتظرها، ليس فقط الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، بل المجتمع بكافة أطيافه ومكوناته؟
ثانياً: مضمون القانون المقترح:
أحالت الحكومة مشروعاً لقانون الأشخاص ذوي الإعاقة وهو مشروع أعد منذ سنة 2008، وكانت هناك محاولات عديدة لإقراره، تحطمت جميعها على صخرة التمييز والإنكار ونقص الموارد الضرورية لتنفيذ متطلبات القانون. كذلك أعدت جمعيات حقوقية مشروعات قوانين ودراسات في هذا الخصوص لم تلقَ الإهتمام اللازم من الدولة. وأخيراً تقدمت النائبة د. هبة هجرس بمشروع قانون وقع عليه ستون من أعضاء مجلس النواب. وقد أحال رئيس مجلس النواب المشروعين إلى لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة، للتنسيق بينهما وإعداد مسودة لمشروع القانون ترفع إلى الحكومة لدراستها. وقد انتهت اللجنة من إعداد المسودة النهائية للمشروع وأرسلتها إلى الحكومة. وصرّح رئيس لجنة التضامن الإجتماعي بأن مشروع القانون سوف يلبّي جميع مطالب هذه الفئة داخل المجتمع، ويرفع المعاناة عنهم ويصون كرامتهم، وطمأن وكيل اللجنة المعنيين بالقانون إلى أن المشروع النهائي سوف يترجم كافة المواثيق والإتفاقيات الدولية لحقوق ذوي الإعاقة. فما هي تلك النصوص التي سوف تحقق هذه الأهداف النبيلة مجتمعة؟
لا ننوي عرض تفاصيل النصوص المقترحة، لاسيما أن المشروع لا يزال في مراحله الأولية، وقد نخصص له بعد صدوره دراسة مستفيضة لبيان ما له وما عليه. لذلك نقتصر في هذا المقام على عرض الإطار العام للمشروع.
تضمن مشروع القانون تسعة أبواب، تضم أكثر من سبعين مادة، تحت عنوان “قانون حماية الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام”. ولنا على هذا العنوان ملاحظة أساسية، مفادها أنه لم ترد كلمة “الحقوق” في مسمى القانون، وقد قلنا أنه قانون يكرس الحقوق، وهو ما يعني الإعتراف بها ثم تقرير الحماية الواجبة لها. لذلك قد يكون من الأفضل تعديل هذا العنوان ليكون “مشروع قانون حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”.
الباب الأول عنوانه “أحكام عامة”، تحدد المستفيدين من القانون وهدفه، وتعرف الشخص ذو الإعاقة، وبعض المصطلحات الواردة في نصوص المشروع أغلبها مستحدث . وتحدد المادة الرابعة الحقوق التي تلتزم الدولة بضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بها، وهي الحق في عدم التمييز والحق في التعبير عن الآراء، والحق في احترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة، والحق في الزواج وتأسيس الأسرة برضاء كامل، والحق في الحصول على المعلومات، وتيسير حصول الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال حمايتهم على المعلومات الخاصة بالخدمات التي يقدمونها للأشخاص ذوي الإعاقة، وبناء قدرات المتعاملين مع هؤلاء الأشخاص في الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، وكفالة إمكانية وصول واستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة للبيئة المادية المحيطة ولوسائل النقل والمعلومات والاتصالات والتكنولوجيا، وتمكينهم من المشاركة في تسيير الشؤون العامة على قدم المساواة مع الآخرين وحريتهم في التنقل والإقامة والحصول على الجنسية، وتوفير التأهيل والتدريب والتوعية والإرشاد والمساندة اللازمة لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة. ويلاحظ أن الحق في الحصول على الجنسية لذوي الإعاقة يتعارض مع نص المادة (4) رابعاً من قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975، وهو يشترط في الأجنبي المولود في مصر، لإمكان التجنس بالجنسية المصرية “أن يكون سليم العقل، غير مصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع”. ويلزم مراعاة فض هذا التضارب بين قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المقترح وقانون الجنسية المشار إليه.
تناول الباب الثاني الرعاية الصحية للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث نص على ضرورة إصدار بطاقة إثبات إعاقة وملف صحى لكل شخص ذى إعاقة، وإجراءات الوقاية من الإعاقة والحماية الصحية.
وخصص الباب الثالث للحق في التعليم قبل الجامعي والجامعي. وخصص الباب الرابع للإعداد المهني والتدريب وحق العمل، حيث أكد المشروع على حق ذوى الإعاقة فى فرص عمل متكافئة وعدم إخضاعهم لأي نوع من العمل الجبرى وحمايتهم فى ظروف عمل عادلة بالمساواة مع غيرهم.
والباب الخامس نظم المعاملة المجتمعية، وتضمن الحق فى الإتاحة والتيسير والحق فى الحماية الاجتماعية عن طريق المساعدات والحق فى الجمع بين معاشين أو بين معاش وأجر.
والباب السادس تناول الحقوق السياسية والنقابية، فنص على حرية ذوى الإعاقة فى إنشاء المنظمات أو الاتحادات النوعية والإقليمية الخاصة بكل إعاقة بما يضمن تمثيلهم على الصعيدين المحلي والدولي.
والباب السابع خصص للأنشطة الثقافة والرياضية والترفيهية والإعلامية، وتضمن التزام الوزارات المختصة بالثقافة والرياضة بإتاحة وتيسير مشاركة ذوى الإعاقة فى الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية وتهيئة أماكن ممارسة هذه الأنشطة بما يناسب احتياجاتهم. والباب الثامن نظم المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة.
أما الباب التاسع فكان موضوعه الحماية القانونية والمعاملة الجنائية للأشخاص ذوي الإعاقة. ونص فيه على أن يكون للشخص ذي الإعاقة، سواء كان مجنياً عليه أو شاهداً أو متهماً، في جميع مراحل الضبط والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ الحق في المعاملة التي تتناسب مع حالته واحتياجاته (م 44).
ونصت المادة 45 على عقوبة السجن المشدد لمن يقوم بإخصاء أو تعقيم أو إجهاض غير قانوني للأشخاص ذوي الإعاقة. ولهذا النص أهمية خاصة بالنظر إلى وجود ممارسات تجاه الأبناء المعاقين من أسرهم، مثل إزالة الرحم للفتيات بدعوى حمايتهن من الإغتصاب، وهو ما يعرض هؤلاء الفتيات لأضرار بالغة. ويشكل في صحيح القانون اعتداءً على السلامة البدنية للفتاة يفضي إلى عاهة مستديمة. كما يعاقب بالحبس والغرامة من قام بتزوير بطاقة إثبات إعاقة أو شهادة تأهيل أو استعملهما مع علمه بتزويرهما.
ونصت المادة 47 من المشروع على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه أو إحدى العقوبتين لكل من:
1- أخفى بيانات أو معلومات عن وجود شخص ذي إعاقة للجهات المعنية بالإحصاء والتعداد، وتضاعف العقوبة بتكرار المخالفة.
2- أدلى ببيان غير صحيح أمام الجهة المختصة أو قدمه إليها أو أخفى معلومات بقصد الاستفادة دون وجه حق بأي من الحقوق أو المزايا المقررة للأشخاص ذوي الإعاقة بموجب هذا القانون أو أي قانون آخر.
وقررت المادة 48 من المشروع عقوبة الغرامة من 20 إلى 100 ألف جنيه لكلم من عرض أو نشر أو أذاع بأي وسيلة من وسائل المواد الإعلامية المختلفة أعمالاً من شأنها الإساءة للأشخاص ذوي الإعاقة أو الترويج لمفاهيم غير صحيحة عنهم أو استغلالهم لأى غرض كان.
وألزمت المادة 19 الجهات الحكومية والقطاع الخاص بتعيين 5 % على الأقل من ذوي الإعاقة. وأوجبت المادة 21 على هذه الجهات تخفيض ساعات العمل بواقع ساعة يومياً مدفوعة الأجر للعاملين من ذوي الإعاقات المختلفة أو من يرعى شخصاً من ذوي الإعاقة من درجة القرابة الأولى. وعاقبت المادة 49 على مخالفة هذه الالتزامات بالحبس مدة لا تجاوز سنة أو بغرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألفاً.
ونصت المادة 50 من المشروع على عقوبة الغرامة من خمسة إلى عشرة ألاف جنيه لكل من شارك في حرمان أي طفل ذي إعاقة من التعليم. كما يعاقب بالغرامة من يحرم أي من ذوي الإعاقة من التعليم بمختلف مراحله، أو يرفض قبوله للالتحاق بأي من المؤسسات التعليمية بسبب الإعاقة، ومن لا يلتزم بنسبة 5% على الأقل من المقبولين في المؤسسات التعليمية بأنواعها.
ثالثاً: التحديات التي تواجه مشروع القانون المقترح:
لا شك أن التوجه نحو إصدار قانون شامل لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هو توجه محمود، ويجب دعمه من كل الفعاليات المجتمعية، لأن صدور مثل هذا القانون يضمن استفادة ذوي الإعاقة من الخدمات والتمتع بالحقوق الإنسانية والدمج في المجتمع باعتبارهم مواطنين ذوي حقوق وليسوا مستحقي رعاية. بل نرى ضرورة أن يأخذ القانون المقترح بمبدأ التمييز الإيجابي للأشخاص ذوي الإعاقة خلال فترة زمنية محددة.
لكن التحديات التي تواجه القانون المقترح كبيرة، أهمها التكلفة المالية التي يلزم أن تتحملها الموازنة العامة للدولة في سبيل إتاحة وتيسير سبل الحياة للمعاقين والإعفاءات الضريبية والجمع بين المرتب والمعاش وغير ذلك من المزايا المالية التى يتضمنها مشروع القانون. هذا التحدي لا ينبغي التهوين من شأنه في ظل الأزمة التي تضرب الاقتصاد المصري منذ عدة سنوات، والتي انعكست على عدم تنفيذ الدولة لالتزامات دستورية، مثل تخصيص نسب من الإنفاق الحكومي للتعليم قبل الجامعي والجامعي والبحث العلمي ، ولم تتمكن الحكومة من توفيرها في حدها الأدنى المنصوص عليه دستورياً، فضلاً عن الوصول بها للمعدلات العالمية.
التحدي الثاني هو نقص الوعي المجتمعي والأسري فيما يتعلق بقضية الإعاقة وضرورة المساواة وعدم التمييز، وما ينتج عن ذلك من النظر لهؤلاء الأشخاص باعتبارهم عبءاً على المجتمع، وتجاهل القدرات التي يمكنهم إفادة المجتمع بها. هذا التحدي يشير إلى أهمية التوعية الإعلامية والدينية المستمرة بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة وضرورة إدماجهم في الحياة الاجتماعية.
نعتقد أن ولادة هذا القانون لن تكون سهلة، لكننا نأمل في إمكان تجاوز البرلمان لهذه العقبات، ونعوّل على دعم النواب لهذا القانون، ومنهم تسعة من ذوي الإعاقة تمكنوا من الوصول لمقاعد البرلمان. كما نأمل أن تدعم الحكومة هذا القانون وتذلل العقبات التي تعترض صدوره أولاً، ثم تحاول توفير الإمكانات اللازمة لتفعيله ووضعه موضع التنفيذ بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق هؤلاء الأشخاص، وأصحاب الأعمال وكافة المواطنين، مع إيلاء الاهتمام اللازم للتعاون الدولي في مجال الدعم الفني والمالي لبرامج الدمج المجتمعي والإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة.
لذلك يكمن التحدي الأكبر بعد صدور القانون في صدق النوايا لتفعيله، فصدور القانون شئ وتفعيله على أرض الواقع شئ آخر. ويخشى البعض أن تكون إثارة موضوع قانون حماية الأشخاص ذوي الإعاقة حلقة في سلسلة حلقات برنامج تتبناه الحكومة لتحسين صورة مصر في مجال حقوق الإنسان أمام المجتمع الدولي، خصوصا بعد الملاحظات التي وجهت إليها بخصوص حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أثناء المراجعة الدورية الأخيرة لحقوق الإنسان.