عادت الاتفاقية التي تقضي بتنازل مصر عن جزيرتي «تيران وصنافير» للمملكة العربية السعودية لدائرة الجدل مرة أخرى، بعد أن قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، أمس الأحد، بإسقاط حكم الإدارية العليا، الذي قضى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، واعتبار الحكم منعدما.
وجاء الحكم بعد لقاء جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالعاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، قبل أيام على هامش، اجتماع القمة العربية في الأردن، الذي توقعت المعارضة المصرية أن تعقبه إجراءات تخص اتفاقية تسليم الجزيرتين.
وكان المحامي المصري أشرف فرحات، أقام دعوى أمام محكمة الأمور المستعجلة طالب فيها بإسقاط مسببات حكم دائرة الفحص في محكمة القضاء الإداري التي قضت ببطلان الاتفاقية وانعدام الحكم الذي ألغاها وتنفيذ حكم «الأمور المستعجلة» بسريانها.
واختصمت الدعوى رئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، ورئيس هيئة قضايا الدولة، والمحامي خالد علي.
وطالبت الدعوى بصدور حكم بصيغة تنفيذية موضوعية بإسقاط مسببات الحكم الصادر من مجلس الدولة وانعدام الحكم، واعتباره كأنه لم يكن، وإزالة كل ما له من آثار والاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة بسريان اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية.
وقال المحامي خالد علي، مقيم دعوى بطلان الاتفاقية لـ «القدس العربي»، إن «حكم محكمة الأمور المستعجلة كان متوقعا، على الرغم من أن الدستور أكد أن هذه الأمور ليست من اختصاصها، إضافة إلى أن أحكام الإدارية العليا نهائية وباتة ولا يجوز إيقاف تنفيذها أو إبطالها إلا بحكم آخر من الإدارية العليا».
واتهم علي نظام السيسي بالسعي «خلال حكم الأمور المستعجلة إلى منح مجلس النواب غطاء قضائيا يستتر به لتبرير بدء مناقشته للاتفاقية بزعم أن هناك حكما قضائيا من محكمة الأمور المستعجلة، قضى بعدم الاعتداد بحكم الإدارية العليا، ليدعي بعد ذلك أن الاتفاقية سارية وصحيحة ومن ثم من حق البرلمان مناقشتها».
وحسب علي: «كل من اشتغل بالقانون يعلم أن هذا السلوك غير قانوني وغير دستوري، وأنها محاولة بائسة لخلق شرعية زائفة لاتفاق يتضمن تنازلا عن أرض مصرية، والحكم يستهدف تمهيد الأرض أمام الحكومة، لتقديم دعوى تنازع اختصاص أمام الدستورية العليا، بزعم أن الاتفاقية تعرضت لها جهتان قضائيتان مختلفتان، وكل منها تمسك بنظر النزاع وأصدر أحكاما مختلفة عن الأخرى». وبين أن «هناك تنازع اختصاص بين المحاكم، يوجب على المحكمة الدستورية العليا الفصل في هذا التنازع لتحدد من هي المحكمة المختصة، ومن ثم تحديد الحكم واجب النفاذ».
وقال السفير المصري السابق معصوم مرزوق، والقيادي في التيار الديمقراطي المعارض، لـ«القدس العربي»، إن «هذا الحكم كان متوقعا، لحماية الحكومة المصرية التي امتنعت عن تنفيذ حكم نهائي وبات بوقف العمل بالاتفاقية، ومحاولة لخلق نزاع قضائي يستوجب تدخل المحكمة الدستورية للفصل فيه، ويمكن مجلس النواب من مناقشة الاتفاقية».
وأضاف أن «الحكومة تلجأ لحيل قانونية واهية للدفاع عن الاتفاقية»، مشيراً إلى أن «الحكومة المصرية تعلم جيدا أن محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة بنظر مثل هذه القضايا التي تتعلق بالسيادة، لكنها تحاول تعطيل تنفيذ حكم القضاء الإداري».
واعتبر أن «ما تفعله الحكومة المصرية يمثل انتحارا سياسيا، وأن الدستور كان واضحا في عدم أحقية السلطة في التنازل عن أي شبر من أرض مصر، وأن المصريين سيخرجون للشوارع حال صممت هذه السلطة على التنازل عن الأرض، وأن هذه القضية قد تطيح بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظامه».
كذلك أكد المحامي، مالك عادلي، أحد مقيمي دعوى بطلان الاتفاقية، والذي سجن لمدة أشهر العام الماضي بتهمة نشر أخبار كاذبة تتعلق بالاتفاقية، لـ «القدس العربي» أنه «لا يجوز لمحكمة جزئية مشكلة من قاض أن تتعرض لحكم نهائي صدر من واحدة من أكبر ثلاث محاكم في مصر».
وأضاف: «المادة 191 من الدستور المصري تنص على أن محاكم مجلس الدولة تختص دون غيرها بنظر منازعات التنفيذ على أحكامها، وهو ما يسمى بنظرية الاختصاص القاصر، بمعنى اختصاص قاصر على محاكم مجلس الدولة دون غيرها وفقط».
واعتبر أن «ما يحدث يمثل هدما للمحكمة الإدارية العليا، وخطرا على النظام القضائي المصري لا يمكن تداركه».
وكانت محكمة القضاء الإداري، قضت في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، في حكم نهائي، ببطلان اتفاقية تقضي بتبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر للسعودية. وأكد الحكم استمرار السيادة المصرية على الجزيرتين الواقعتين في مدخل خليج العقبة في البحر الأحمر.
وقال القاضي الذي رأس جلسة المحكمة الإدارية العليا، في حكمه إن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها.
وكان إعلان الحكومة المصرية توقيعها اتفاقا مع السعودية، بشأن الجزيرتين، أسفر عن موجة غضب شعبي، وتظاهرات واسعة في أنحاء مصر، بدأت في 15 إبريل / نيسان من العام الماضي واستمرت لأشهر، وألقت فيها الشرطة المصرية القبض على المئات من المتظاهرين.
يذكر أن مجلس النواب المصري، أعلن أنه سيناقش الاتفاقية رغم صدور حكم سابق ببطلانها.
وقال على عبد العال، رئيس المجلس، إن تأجيل مناقشة الاتفاقية، يتعلق بدراستها في اللجنة التشريعية.
وقالت مصادر لـ «القدس العربي»، إن «المجلس أجل المناقشة حتى صدور حكم محكمة الأمور المستعجلة، حتى لا يدخل في حرج يتعلق بمناقشة اتفاقية صدر حكم قضائي ببطلانها».
وتقول الحكومة المصرية إن المباحثات بشأن الاتفاقية أظهر تبعية الجزيرتين للسعودية، ما أثار احتجاجات واسعة في مصر. وتصر السعودية على أن لديها وثائق تثبت ملكيتها للجزيرتين.