قضاة يطعنون في دستورية قانون مكافحة الفساد بالكويت


تأكيداً لما انفردت «الجريدة» بنشره في 12 فبراير الماضي عن عزم مجموعة من القضاة الطعن على عدم دستورية قانون مكافحة الفساد لإخلاله باستقلالية القضاء أقدم ٦ مستشارين في محكمة الاستئناف أمس برفع طعن الى المحكمة الدستورية عبر المحامي عادل عبدالهادي، وطالبوا بالحكم بعدم دستورية القانون لمخالفته أحكام الدستور. وحصلت «الجريدة» على نص أسباب الطعن الذي يرى فيه القضاة مخالفة القانون لمبدأ الخصوصية والاستقلالية اللتين يتمتع بهما القاضي، فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة الذي كفله الدستور، بأن استثنى القانون موظفين بالدولة من الدخول لأحكام القانون. وفي حالة صدور حكم من الدستورية فإن الطعن سينال تلك المواد المطعون عليها بعدم الدستورية دون باقي أحكام القانون. وفيما يلي التفاصيل:

أولاً: الإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين

 

حيث نصت المادة 2 من القانون 2 لسنة 2016 المطعون فيه على أن: تسري أحكام هذا القانون على الفئات التالية:

1 – رئيس ونواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ومن يشغل وظيفة تنفيذية بدرجة وزير.

ووفقا لذلك النص، الذي جاء مغايرا للنص السابق ووروده في المرسوم بالقانون رقم 24 لسنة 2012 والمقضي بعدم دستوريته في الطعن 24 لسنة 2015 (طعن مباشر دستوري)، حيث قصر النص في القانون المطعون في سريان القانون على الوزير التنفيذي دون من يحمل مسمى وزير لأهمية الوظيفة التي شغلها، وبالتالي تم استبعاد جميع من يتم تعيينهم بالديوان الأميري، وكذلك استثنى القانون أعضاء هيئة مدينة الحرير ومجلس الأمناء بتلك الهيئة ومستشاري الديوان الأميري وديوان سمو ولي العهد بدرجة وزير، إضافة الى وزير شؤون الديوان الأميري، رغم أن هؤلاء من كبار موظفي الدولة، ودون اشتراط حمل حقيبة وزارية، إلا أنهم في مراكزهم يباشرون أعمالا بقدر كبير من الأهمية لا تخضع للرقابة، ويستلزم إلزامهم بتقديم إقرارات الذمة المالية، إلا أن القانون مايز بين أفراد الفئة الواحدة بأن جعل التمايز بين الوزراء من حيث حمل حقيبة وزارة كمن عدمه، ولم يبن من استثناء أعضاء الهيئة المذكورة أو مستشاري الديوان الأميري، رغم وحدة المراكز القانونية في الوقت الذي ألزم فيه رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، أعلى سلطة قضائية في البلاد لتقديم إقراراتهم بعناصر ذمتهم المالية.

وكان يتعين على القانون يحدد الفئات المستثناة على سبيل الحصر دون أن يتركها لمجرد الاجتهاد، وهو ما شاب القانون بالغموض في بيان المخاطبين بأحكامه أو الفئات محل الاستثناء. وهذا التمايز يخالف قاعدة المساواة الدستورية.

ومؤدى ما سبق أن القانون أخل بمبدأ المساواة بين المواطنين المخاطبين بأحكامه، رغم تماثل الوضع القانوني ومعيار المخاطبة بالنص والإلزام بتقديم تقرير الذمة المالية، وهو «مسمى وزير»، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.

خصوصيات الإنسان

 

أكدت صحيفة الطعن أن إخضاع أعضاء السلطة القضائية لأحكام القانون المطعون فيه وإلزامهم بتقديم إقرارات الذمة المالية لتلك الهيئة التنفيذية، التي يقوم عليها أشخاص لا ينتمون إلى السلطة القضائية، ولا يتمتعون بالخبرة للتعامل مع ذلك القانون، بما يقتضيه من الحفاظ والسرية على معلومات، هي أدق ما يقال عنها أنها تمثل أخص خصوصيات الإنسان، ولا تملك تلك الهيئة المكان أو الأجهزة أو الإمكانات التي تحفظ إقرارات الذمة المالية للفئات المخاطبة بأحكام القانون، مما يمثل خطراً محدقاً بسرية تلك المعلومات وخصوصيات أصحابها، بالنظر إلى مواقع عملهم ومراكزهم. ويكفي للتدليل على -خطورة ذلك الوضع- ما وقع في اعقاب قضاء المحكمة الدسورية بعدم دستورية المرسوم بالقانون السابق رقم 24 لسنة 2012، حيث في يوم الحكم ترك الموظفون مواقعهم بالهيئة وانصرفوا تاركين جميع المستندات عرضة للخطر والاطلاع على ما بها، وهو ما حدا بمجلس الوزراء إصدار تعليمات لوزير العدل باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ المستندات بتلك الجهة، ووزير العدل هو رجل السلطة التنفيذية، ولا أحد يعلم كيف يتم الحفاظ على المستندات والإقرارات التي سبق ايداعها، فهل تم جردها؟ ومن قام بذلك؟ وما صفته؟ وهل أقسم يمينا بعدم الإفصاح عما اطلع عليه من معلومات وبيانات في تلك المستندات؟ وهذا جميعه يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا حصانة أو سرية أو موثوقية أو اطمئنان أو راحة أو حماية للمواطن المخاطب بأحكام القانون المطعون فيه إلا بإخضاع الهيئة لإشراف القضاء لا السلطة التنفيذية.

 

ثانياً: مخالفة الدستور بالاعتداء على الخصوصية وانتهاكه الحرية الشخصية

 

نصت المادة 30 من الدستور على أن الحرية الشخصية مكفولة، ونصت المادة 34 على أن: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للمارسة حق الدفاع…».

وقضت المحكمة الدستورية بجلسة 8/ 11/ 1982 في الطعن رقم 3 لسنة 1982 دستوري بأن الحق في الرقابة البرلمانية سؤالا كان أم استجوابا يقف في مقابله حق الفرد في حماية خصوصياته، بما يوجب التوفيق بينهما بالتنسيق والمواءمة على نحو يحقق مصلحة المجتمع، وأن حق المواطن في كفالة حريته الشخصية طبقا للمادة 30 من الدستور يشمل حقه في الخصوصية الذي هو قلعة يحتمي فيها الفرد ضد تعكير صفو حياته الخاصة، ومنها سره المرضي وأن اسم المريض وهو أحد عنصري السرية الطبية لا يجوز إفشاؤه، يتحقق، باطلاع الغير عليه.

وقد انتهت المحكمة في ذلك الحكم الى أن إجابة الوزير على السؤال البرلماني الخاص بعلاج المواطنين في الخارج يجب ألا يشمل ذكر أسماء المرضى.

كما قضت المحكمة الدستورية بجلسة 14/ 6/ 1986 في الطعن رقم 1 لسنة 1986 بأن الحق في الخصوصية حق يحميه الدستور تأكيدا للحرية الشخصية، وأن التعرض لعناصر الذمة المالية لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين فيه مساس بالحق في الخصوصية.

وفي مجال تطبيق المادة 33 من الدستور سالف الإشارة المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلسة 10/ 11/ 1998 في الطعن رقم 7 لسنة 1998 دستوري بأن افتراض البراءة المنصوص عليه في المادة 34 من الدستور إنما يؤسس على الفطرة، وأنه لا يجوز نقض هذه القرينة إلا بحكم قضائي جازم يصدر في ضوء الأدلة المقدمة والمثبتة للجريمة المنسوبة اليه في كل ركن من أركانها.

ولما كان القانون المطعون فيه رقم 2 لسنة 2016 الصادر بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية نصت المادة 30 منه على إلزام الخاضعين لأحكامه الفئات المنصوص عليها في المادة 2 منه بتقديم إقرارات بعناصر ذمتهم المالية، وهي 3 إقرارات:

1 – الإقرار الأول: خلال ستة أشهر لمن هو في الخدمة وقت صدور اللائحة التنفيذية للقانون.

2 – الإقرار الثاني: خلال ستين يوماً من تاريخ توليه المنصب وتحديث الاقرارات خلال ستين يوماً من نهاية كل ثلاث سنوات ما بقي في منصبه.

3 – والثالث الإقرار النهائي خلال تسعين يوما من تاريخ تركه منصبه.

وبعد أن بينت المادة 2 من القانون الفئات الخاضعة للقانون ألزمت المادة 30 الفئات الواردة بها بتقديم إقرارات الذمة المالية- وعرف القانون تلك الذمة المالية بأنها:

ما للخاضع لأحكام هذا القانون وأولاده القصر ومن يكون وليا أو وصيا أو قيما عليهم من أموال نقدية أو عقارية أو منقولة داخل الكويت أو خارجها، ويدخل في ذلك ما لهم من حقوق وما عليهم من ديون قبل الغير، كما تشمل الوكالات أو التفويضات ذات الأثر المالي الصادر منه للغير أو من الغير لصالحه وحقوق الانتفاع».

وما تقدم يمثل انتهاكاً صارخاً للحق الدستوري في الخصوصية والحرية الشخصية، ويتعارض مع المبادئ، التي استقرت عليها المحكمة الدستورية على النحو المتقدم، كما أن المرسوم بقانون المطعون عليه يهدم أصل البراءة المقرر في المحاكمات الجزائية، حيث يرتب على مجرد تلقي البلاغ، الذي يخضع في تقدير جديته من عدمه لسلطة موظف بالهيئة العامة لمكافحة الفساد، نتائج تمس الحرية الشخصية، والذمة المالية واتخاذ إجراءات قد تقيد الحرية الشخصية أو حرية التصرف في الذمة المالية، وذلك جميعه دون مقتضى أو موجب قانوني، خصوصاً أن تلك الإجراءات تتم بعيداً عن أعين القضاء مما يهدر ضمانة دستورية مهمة.

ونصت المادة 34 من القانون المطعون فيه على أنه: « للهيئة في حالة وجود شبهة جريمة كسب غير مشروع، أن تطلب بشكل سري من الأفراد أو الجهات الحكومية أو الخاصة داخل الكويت وخارجها البيانات والإيضاحات والأوراق، التي ترى لزومها، وللنائب العام أو من يقوم مقامه، بناء على طلب الهيئة، أن يأمر مباشرة بالاطلاع أو الحصول على أي بيانات أو معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الخزائن لدى البنوك والمؤسسات المالية ……».

وحيث نصت المادة 24 من القانون على أنه: «مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 32 لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية، تقوم الهيئة فور علمها بوجود شهبة جريمة فساد بجمع المعلومات بشأنها، ولها في سبيل ذلك الاطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة محل العلم – وكذلك طلب موافاتها بأي بيانات أو معلومات أو وثائق متعلقة بها، ولها أن تقرر إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة».

المصدر

مستجدات دستورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *