في مصر انتخابات رئاسية مصيرية بدون مرشحين مؤكدين وقانون التظاهر قيد الحق الدستوري في التعبير عن الرأي


ازدحمت الصحف المصرية الصادرة أمس الثلاثاء 25 يوليو/تموز بالكثير من الموضوعات السياسية والاقتصادية، التي أثارها الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه مع الشباب في محافظات غرب الدلتا، وهي الإسكندرية والبحيرة ومرسي مطروح وكفر الشيخ والغربية وعاصمتها مدينة طنطا، حيث مقام ومسجد السيد البدوي، وكان اللقاء في مكتبة الإسكندرية، وضم حوالي ألف وثلاثمئة من شباب هذه المحافظات، تحت شعار «أنت تسأل والرئيس يجيب».
وكان قد سبق للسيسي أن حضر مؤتمرات للشباب في أسوان لشباب الصعيد، وفي شرم الشيخ في مدينة الإسماعيلية لشباب المحافظات المجاورة لكل منطقة، والحقيقة التي شاهدناها جميعا هي الحرية الكاملة في توجيه الأسئلة المحرجة جدا، مثل سؤال من أحد الشباب بأنه عندما تولى قيادة حركة الثلاثين من يونيو/حزيران للإطاحة بحكم الإخوان وعد بالقضاء على الإرهاب، ولكن حتى اليوم لا يزال الإرهاب مستمرا؟ فقال إننا كافحنا ضد أقوى تنظيم في العالم، ويحكم عدة دول، وكان يريد استكمال السيطرة على مصر، وليس سهلا القضاء عليه بسرعة، لكن هناك تقدما كبيرا في حالة الأمن، وقدرة الدولة على فرض سيطرتها تتزايد، والفكر المغذي للإرهاب لا يزال موجودا، وليس سهلا القضاء عليه. المهم وعي الناس وعدم الوقوع في الخطأ بحجة الساحر، ثم الانقلاب عليه، وما أن نطق بكلمة الساحر حتى ضحك وهو يكرر العبارة، وكان يقصد بها قول الناس إنهم اختاروا الإخوان تحت تأثير السحر، ثم أفاقوا بسرعة وانقلبوا على الساحر. فهل يا ترى سيتجه السيسي إلى تكرار تجربة عبد الناصر في بناء منظمة الشباب الاشتراكي. كما اعترف السيسي بعمق المشاكل الاقتصادية وبشّر بقرب انتهاء المرحلة الصعبة.. ووعد بحلول لكثير من المشاكل.
ومن الأخبار الأخرى التي تناولتها الصحف المصرية، دهشة المصريين من إطلاق الرئيس اسم محمد نجيب على أكبر قاعدة عسكرية جديدة في الاحتفالات بثورة يوليو/تموز وزعيمها عبد الناصر. والهجوم على دور نجيب في الثورة وتحالفه مع الإخوان. ورواية محمد حسنين هيكل عن تنظيم الضباط الاحرار عندما كان رئيسا لتحرير مجلة «آخر ساعة». وصلاح دياب صاحب «المصري اليوم» يواصل دفاعه عن عبد الناصر، ويؤكد أنه لو عاش لأصلح الاقتصاد وأعاد الحريات. وإلى التفاصيل..

الوراق وحي الزمالك

ونبدأ من الصفحة الخامسة من «الأخبار» وما نقلته عن السيسي في لقائه مع الشباب: «وفي ما يخص المشروعات الجديدة في قطاع البناء والتشييد، قال السيسي إن الدولة تقوم بإنشاء مدن جديدة تصل إلى أكثر من 10 مدن، منها العلمين الجديدة وشرق بورسعيد والإسماعيلية الجديدة. وأشار الرئيس إلى اننا نختصر الوقت لتظهر تلك المدن إلى النور في وقت قياسي وغير مسبوق. ورداً على سؤال حول ما إذا كان الرئيس مطمئنا للغد أم لا؟ قال الرئيس «أيوه مطمئن لبكرة وكل الدنيا عارفة أننا بقينا كويسين ومحتاجين في مصر نتكلم أكثر مع بعض، علشان الثقة تزيد. وحول الحملة الأمنية التي قامت بها وزارة الداخلية والأجهزة المعنية على جزيرة الوراق، ما تسبب في مقتل مواطن وإصابة العشرات من قوات الشرطة، وهل الدولة ستقوم بطرد المواطنين من منازلهم؟ قال الرئيس السيسي إن الدولة المصرية لن تقوم بطرد أي مواطن من منزله، مؤكداً أن مصر خلال السنوات الماضية شهدت تجاوزات كثيرة جدا، مشيرا إلى أنه عندما انتهت حملة استراداد أراضي الدولة، تمت اعادة حوالي 2 مليون فدان أراضي زراعية، وجار تقنين أوضاع نصفها، مشيراً إلى أنه تمت أيضا إعادة 160 مليون متر أراضي بناء. وأكد السيسي أن الدولة المصرية كانت غائبة والقانون كان غائبا، سواء في ما يخص الأراضي الزراعية، أو اراضي البناء. مؤكداً أن جزيرة الوراق مثال على ما نتحدث فيه، فنحن نتحدث عن مساحة لا تقل عن 1400 فدان، لو أصبحت كلها مباني عشوائية فأين سيكون الصرف الصحي لها سيكون في نهر النيل، لنتحدث بعد ذلك عن الأمراض التي تصيب أبناءنا من المصريين. وأشار السيسي إلى جزيرة الوراق كمساحة أكبر من حي الزمالك وعندما يتم تخطيطها بصورة جيدة ستصبح مثل حي الزمالك. وشدد السيسي على أن هناك دولا لا يستطيع أي مواطن أن ينتزع شجرة من مكانها دون موافقة الحكومة، مشيرا إلى أن حجم التجاوزات التي شهدتها مصر خلال السنوات الماضية كبير جداً».

انتخابات الرئاسة

وأجاب السيسي عن سؤال حول اعتزامه الترشح لفترة رئاسية ثانية في يونيو/حزيران من العام المقبل بعد انتهاء فترته الحالية، فأكد أنه سيترشح وسوف يلتزم بنتيجة الانتخاب، فإذا صوتت الأغلبية للمرشح المنافس فلن يبقى في الحكم دقيقة واحدة، قائلا كيف أحكم أناس لا يريدونني؟ بينما أبدى زميلنا محمد عصمت في عموده في جريدة «الشروق» (أوراق) دهشته من عدم توافر أي أجواء مبشرة لإجراء انتخابات حقيقية وقال: « لم يعد أمامنا سوى أقل من سبعة أشهر حتى نشهد إجراءات انتخابات الرئاسة المقبلة، حيث تنص المادة 140 من الدستور على أن هذه الإجراءات يجب أن تبدأ قبل 120 يوما على الأقل من انتهاء مدة الرئاسة الحالية في 7 يونيو المقبل، على أن يتم الإعلان عن الفائز فى هذه الانتخابات قبل شهر من انتهاء هذه المدة، وهو ما يعني أننا سنبدأ هذا الموسم الانتخابي الأهم في البلاد من 8 فبراير/شباط المقبل، وسنعرف اسم الرئيس الجديد قبل 7 مايو/أيار. كان من المفترض أننا سنكون الآن فى وسط موسم سياسي ساخن وصاخب، تعقد فيه المناظرات بين مختلف المرشحين، يتبارزون خلالها ببرامجهم الانتخابية، ويتنافسون في الحصول على أصوات الناخبين، ويحرص كل واحد منهم على توضيح نقاط ضعف برامج بقية المرشحين، وأن تكون هذه الانتخابات حديث الشوارع والمقاهي والبيوت، وأن تتنافس الصحف وبرامج الفضائيات ومحطات الإذاعة في فحص وتمحيص برامج مختلف المرشحين، وكيف يعالجون أوضاعنا الراهنة؟ وما هي رؤيتهم لحل أزماتنا الاقتصادية والسياسية؟ وكيف سينفذون هذه الرؤى؟ وماذا تقول استطلاعات الرأي حول المرشحين ومصداقية وعودهم وبرامجهم الانتخابية؟ ومع ذلك، فإن أيا من هذا لا يحدث، نعيش حياتنا وكأننا دببة القطب الشمالي في عز موسم بياتها الشتوي، أو كأننا مجتمع بلا أزمات طاحنة، نجحت دولته في حل كل مشاكله، ويعيش أبناؤه في المدينة الفاضلة، لا يكتوون بارتفاعات فلكية متتالية فى أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتفرض عليها حكومتهم ضرائب متتالية، وتنتشر بينهم البطالة، وتصادر كل حقوقهم الدستورية والقانونية، وتنتهك أحكام قضائية نهائية وباتة، ويتراجع وزنها الدولي والإقليمي، ثم تطالبهم بمزيد من الصبر والتحمل لأجل غير معلوم. لم نعد فقط دولة فقيرة اقتصاديا كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكننا أصبحنا دولة فقيرة سياسيا أيضا، فالرئيس نفسه لم يؤكد بشكل قطعي خوضه الانتخابات المقبلة، حيث قال منذ عدة شهور إنه لن يبقى فى منصبه ثانية واحدة، إذا أراد المصريون ذلك، وإن كانت كل التوقعات تؤكد أنه سيترشح فيها، أما فصائل المعارضة فلم تعلن بشكل واضح عن نيتها دخول هذه الانتخابات أصلا أم لا؟ وإذا دخلتها هل سيكون ذلك عبر عدة مرشحين أم أنها ستتفق على مرشح واحد ببرنامج انتخابي مشترك؟ في حين لا تزال الشخصيات العامة مثل أحمد شفيق أو خالد علي أو سامى عنان تراوح مكانها، واكتفت بتصريحات خجولة حول دراستها للموقف، وأنها لم تحدد موقفها النهائي بعد. نظريا، نحن مقبلون على واحدة من أهم الانتخابات الرئاسية المصيرية في كل تاريخنا السياسي، بدون مرشحين مؤكدين حتى الآن. أما عمليا فستكون انتخابات بطعم الاستفتاء على الرئيس السيسي، وهو وضع غير طبيعي في بلد أشعل ثورة قبل ست سنوات ونصف السنة كانت حديث العالم، شهدت خلالها الدنيا كلها للمصريين بالعظمة والرقي والنضج السياسي. لا يوجد مجتمع يستقبل انتخاباته الرئاسية بهذا البرود السياسي، بدون أن تلاحقه أزمات معيشية طاحنة».

السيسي والشباب وتجربة عبد الناصر

منذ أن بدأ الرئيس السيسي لقاءاته مع الشباب في عدد من المحافظات، وكذلك البرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للقيادة، والظنون والشكوك تتعمق في أنه يعمل على إنشاء حزب سياسي له، مستلهما في البداية تجربة منظمة الشباب الاشتراكي، أيام خالد الذكر، وكان عبد الناصر يوليها اهتماما كبيرا، ويظهر هذا في حضور اجتماعاتها والتحاور مع الشباب، ولم يكن الشباب أدوات صماء، وإنما كانت لهم آراء وانتقادات على الحكم والنظام، لدرجة أنهم الذين قادوا المظاهرات الضخمة في فبراير/شباط 1968 ضد الأحكام التي صدرت عن المحاكم العسكرية ضد القادة العسكريين، الذين تسببوا في هزيمة يونيو/حزيران 1967. كما طالبوا بالديمقراطية، وبسرعة البرق دعا عبد الناصر إلى عقد لقاء في قاعة الاجتماعات في جامعة القاهرة للشباب الغاضب، وأذيعت وقائعه في التلفزيون والإذاعة على الهواء مباشرة دون مونتاج، وقال عبارته الشهيرة الشباب يريد وأنا معه مرة أخري رأيي الشخصي أن السيسي يعمل لتكرار التجربة لتتحول إلى حزب سياسي لأنه بعد أن يترشح للمرة الثانية لن يكون من حقه الترشح لفترة ثالثة، وهنا فإنه سوف يترأس الحزب الذي يقدم مرشحا رئاسيا له ويصبح هو رئيسا للوزراء أربع سنوات، وسيكون من حقه هو أن يترشح للرئاسة، تقليدا للتجربة الروسية وهي تبادل رئاسة الجمهورية والوزارة بين بوتين وميدفيف. وفي «جمهورية» الثلاثاء ذكرنا زياد السحار بتجربة منظمة الشباب الاشتراكي في مقال له عنوانه «في بر مصر شباب يتجدد» قال فيه: «ورأينا شبابا كثيرين يتعلمون ويقتحمون معترك الحياة متسلحين بالعلم والأمل، في مشروع قومي كبير شيدت فيه مئات المصانع التي اجتذبت فئات كثيرة في المجتمع، انخرطت في مواقع العمل والإنتاج، وحققت طفرة غيرت التقاليد المجتمعية البالية، وفتحت الباب أمام المرأة لتشارك في بناء المجتمع، جنبا إلى جنب الرجل، وعرف الشباب أيضا العمل السياسي الوطني، ورأينا منظمة مثل منظمة الشباب المنبثقة عن الاتحاد الاشتراكي السابق تخرج الكوادر السياسية الواعية، التي برز منها نجوم مازال بعضها يعطي حتى الآن في المحافل السياسية والثقافية المصرية والعالمية. ولكن – للأسف – فإن تربص القوى الخارجية الدائم بنهضة مصر لم يتوقف منذ زمن محمد علي مرورا بعبدالناصر وحتى وقتنا الحالي، الذي تتعاظم فيه المؤامرات والتحديات مثلما يحدث في كل مرة يلحظون فيها نهضة تنموية وحضارية تلوح في الأفق فكان من تداعيات نكسة 1967 التراجع في إعطاء الفرصة كاملة للشباب، وسرعان «ما شابت» وشاخت رموز وقيادات من تنظيمات سياسية وغير سياسية في كل المواقع والوزارات والمؤسسات والجامعات، وحتى قمة السلطة حتى كاد رئيس مصر يرشح نفسه لفترة رئاسية سادسة، وهو في عامه الثالث والثمانين، لولا ثورة يناير/كانون الثاني، التي فجرها الشباب وساندها الشعب والجيش، لتبدأ مصر عهدا جديدا يطفو فيه الشباب على سطح الأحداث، وعبر المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وكان من حسن حظ جيلنا الذي عاصر مشاهد التكلس والشيخوخة في السلطة، وفي كافة المواقع أن نلمح الآن بوادر انطلاقة جديدة للشباب، وهو يدفع به إلى مقدمة الصفوف في كثير من مواقع العمل والإنتاج، سواء في الوزارات أو المؤسسات والبنوك والشركات وأجهزة الحكم المحلي، حيث شهدنا شبابا يجري دفعهم إلى المواقع بعد تدريبهم وتأهيلهم لتولي هذه المناصب كمساعدين للوزراء والمحافظين أو كمسؤولين في كثير من القطاعات الحكومية والخدمية».

سجناء تيران وصنافير

لكن كلام زياد قابله اعتراض وتشكك من زياد آخر في اللحظة نفسها، إذ قال الوزير الأسبق والخبير الاقتصادي زياد بهاء الدين في مقاله أمس الثلاثاء في «الشروق»: «تلقيت العديد من التعليقات على ما كتبته الأسبوع الماضي عن المحبوسين بسبب الاحتجاج ضد اتفاقية تيران وصنافير، ودعوتي للإفراج عنهم وحفظ الدعاوى المرفوعة ضدهم. بعض التعليقات جاء مؤيدا لهذا الموقف ومدافعا عن حرية سجناء الجزيرتين، والبعض الآخر جاء متحفظا من منطلق أنهم خالفوا القانون وعليهم تحمل المسؤولية، لأن القانون يجب أن يطبق على الجميع بدون تمييز. ومع شكري لكل من ساهموا في هذا الحوار، سواء بالاتفاق أو الرفض، وتقديري الكامل لضرورة تطبيق القانون بشكل محايد وبدون تفرقة أو تمييز، إلا أنني أرى أن هناك ثلاثة اعتبارات يجب أخذها في الحسبان عند تقدير حالة سجناء الجزيرتين: الاعتبار الأول أن قانون التظاهر الذي جرى بموجبه القبض على المحتجين على هذه الاتفاقية كان منذ صدوره قانونا خلافيا، لأنه قيد الحق الدستوري في التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، وقد حسمت المحكمة الدستورية العليا الأمر حينما قضت العام الماضي بعدم دستورية بعض مواد هذا القانون، موضحة أن الاحتجاج السلمي حق أصيل لا يجوز تقييده، وعلى الرغم من أن مجلس النواب سارع بعد ذلك إلى إدخال بعض التعديلات على القانون، إلا إنها كانت في تقديري محدودة ولم تصحح العوار المستمر فيه، وهو اعتبار الاحتجاج السلمي جريمة، وأؤكد هنا على أن السلمية هي المعيار الذي يلزم الاحتكام إليه؛ لأن من يستغل مظاهرة أو تجمعا لكي يعتدي على الناس أو يتلف الممتلكات يكون مرتكبا لجرائم أخرى تستحق العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، ولا ينطبق عليه وصف المتظاهر السلمي. على الدولة أن تراجع نفسها ليس فقط في ما يتعلق بالمتهمين بسبب الاحتجاج ضد اتفاقية الجزيرتين، ولكن في ما يتعلق بكل من جرى حبسهم لمجرد التعبير عن الرأي، أيا كانت حدة التعبير وقسوة الألفاظ، لأنه يظل في النهاية تعبيرا عن الرأي، ولا يمثل اعتداء ولا إتلافا ولا إرهابا. وخلط الأمور على هذا النحو لا يصب في النهاية ألا في مصلحة المجرمين الحقيقيين، لأنه يضعهم والشباب المتحمس والغيور على مصلحة الوطن في سلة واحدة».

وصايا عبد الناصر

وبسبب كثرة ما نشر عن ثورة يوليو وزعيمها خالد الذكر سوف نكتفي بمقالين، الأول لرجل الأعمال وصاحب جريدة «المصري اليوم» صلاح دياب الذي يواصل للأمانة والموضوعية من مدة إنصاف عبد الناصر بقدر ما يتحمل ويطيق فقال عنه أمس في عموده «وجدتها « الذي يوقعه باسم نيوتن: في أعمدة ثلاثة أفردت ما أعتبره وصايا عبدالناصر: عن البيروقراطية: عن الأيدي المرتعشة، كما نسميها اليوم بيروقراطية، لم تكن موجودة بهذه الصورة قبل الاستيلاء الكامل على القطاع الخاص بالحراسات والتأميمات، تحدث عن الظاهرة والسبب.
عن الديمقراطية: تحدث عن ضرورة وجود معارضة، الرجل الذي كان يعتبر المعارضة خيانة وتخريبا تحولت معتقداته تطورا وجد أنه لا بديل عن وجود معارضة جادة في جلسة لمجلس الوزراء قال وبصوته نريد معارضة، كما هي موجودة في بريطانيا، طرفاها يشتبكان لصالح الوطن والمواطن. عن الجيش: قال إن ما هو مطلوب لمصر هو جيش احترافي لا يمكث فيه قائد أكثر من ثلاث سنوات، لم يتحرج أن يضرب مثلاً بما هو جار في إسرائيل. السؤال الأول هو: طالما أدرك أين أخطأ طالما حدد الأخطاء لماذا لم ينفذ وصاياه؟ الجواب هو: الرجل كان يراجع ما حدث بعدها أخذته مشاغل ذات أولويات: أ- إعادة بناء الجيش القادر. ب- إعادة لم شمل العرب حوله مرة أخرى. ج- العلاج من آثار جسيمة لمرض السكري اضطره للسفر عدة مرات للعلاج في روسيا. د- نداء الموت الذي لم يمهله. السؤال الثاني: هل نفذنا أياً من هذه الوصايا؟ وصايا رجل مارس نظرية التجربة والخطأ، أصاب وأخطأ كانت لديه الشجاعة والأمانة ليشير إلى «أين أخطأ». والجواب: للأسف لم ننفذ من وصاياه شيئا على امتداد رؤساء أصلهم من القوات المسلحة الرئيس السادات- الرئيس مبارك- لعل الرئيس السيسي يعالج هذا الأمر. البيروقراطية: بالنسبة للأيادي التي كانت مرتعشة أيام الرئيس عبدالناصر كادت الآن أن تصبح أيادي مشلولة. القطاع العام الذي كان سبباً في الشلل يتم تمكينه الآن الدولة بدلاً من أن تراقب وتشجع الاستثمار الخاص تكون حصتها منه الضرائب وتوفير الوظائف، المصري والأجنبي كما العالم كله أصبحت تدير وتزاحم هذا القطاع من خلال مؤسسات مختلفة. التوجه هو معالجة العجز في الموازنة العامة بدون خطة اقتصادية شاملة. بالنسبة للديمقراطية: بدلاً من إيجاد حزب جديد ينافس الحزب الوطني هدمنا الحزب الوطني عدنا للصفر مرة أخرى.
بالنسبة للجيش: آخر قائد عام للقوات المسلحة في عهد الرئيس مبارك ظل 20 عاماً في موقعه
أين كلام الرئيس عبدالناصر؟»

قادة حركة يوليو

كما خصصت مجلة «آخر ساعة» ملحق الثلاثاء لثورة يوليو/تموز وأوردت رواية محمد حسنين هيكل عندما كان رئيسا لتحرير مجلة «آخر ساعة» عن قادة الحركة وقوله: «سمعت عنه قبل أن ألقاه كانوا يتحدثون عنه في الفالوجة المحصورة، كما يتحدثون عن الخرافات والجن العمالقة. كان جريئا إلى أبعد حدود الجرأة، وفي الوقت نفسه كان هادئا إلى أبعد حدود الهدوء، وكان هذا المزيج من الجرأة والهدوء شيئا عجيبا مثيرا، وكان كل زملائه يحبونه، واشتهر بينهم باسم تدليل كانوا يطلقونه عليه وينطقونه بأنفة وإعزاز، حينما يتكلمون عنه وهم جالسون في الخنادق في خط النار، وكان كثيرون في الفالوجة يحبون الاستماع إليه، فقد كان يتكلم لغة جديدة، ويثير فيمن حوله مشاعر جديدة قوية، وعندما كانت المعارك تهدأ يهرع إليه نفر من الضباط حيث يكون، ثم تدور أحاديث تتجه كلها إلى الوطن البعيد، حيث يفصل بينه وبينهم عدو يحاصر مواقعه من كل ناحية، وكان تخليص وطنهم أهم عندهم من تخليص أنفسهم من الحصار، الذي كانوا فيه. وعاد من الفالوجة هادئا ساكنا، وفي الوقت نفسه هائجا ثائرا، وكتب البوليس السياسي عنه تقارير وصفته بأنه من الإخوان المسلمين، واستدعاه رئيس الوزراء القائم بالحكم وقتئذ وسأله هل أنت من الإخوان المسلمين؟ وكانت تهمة الالتصاق بالإخوان المسلمين في ذلك الوقت تهمة مخيفة، وكانت مفاجأة لرئيس الوزراء قوله: نعم أنا منهم ودُهش رئيس الوزراء وصمت لحظة ثم قال: لقد أعجبتني شجاعتك ولست أطلب منك إلا أن تتعهد لي بألا تشترك في أعمال عنيفة. وحين خرج بعد انتهاء المقابلة وعرف بعض زملائه ما حدث أقبلوا عليه يسألونه، ولكنك لست منتميا لجماعة الإخوان فلماذا قلت إنك منهم؟ فقال بهدوء لقد كان سيتصور أني أتهرب وأجبن إذا قلت له إني لست منهم. الذين اتصلوا بعمله يقولون إنه جندي محترف، الجندية في دمه وفي أعصابه وفي عقله، ويستشهدون على ذلك بفترة قضاها في كلية أركان الحرب، وكان العقل المدبر للكلية، ومن خريجي هذه الكلية. جاء معظم ضباط حركة القوات المسلحة ثم التقيت به لأول مرة، وكان اللقاء في بيت اللواء محمد نجيب قبل 4 أيام من حركة القوات المسلحة، وكان يبدو أبعد بكثير عن كل ما سمعته عنه، كان يرتدي قميصا أبيض وبنطلونا رمادي اللون، وبدا كأنه شاب عادي لولا الشيب الكثير الذي ملأ شعر رأسه، وكنت قبل أن يدخل هو إلى بيت اللواء محمد نجيب جالسا مع اللواء نتحدث عن موضوع الساعة في ذلك الوقت، وهو حل مجلس إدارة نادي الضباط، وحين دخل هو واصلنا الحديث في الموضوع نفسه وكان هو ساكتا لا يتكلم وقلت له: ماذا؟ هل ستتركون المسألة هذه المرة تمضي؟ وقال في هدوء: ماذا نفعل؟ قلت: إفعلوا أي شيء، ولكن لا يمكن أن تمضي المسألة هكذا، وقال في بساطة أهذا رأيك؟ قلت في عصبية: وهل لك أنت رأي سواه؟ وقال وهو يبتسم: لا وإنما المهم أن تقولوا لنا ماذا نفعل. ورأيته يجلس على ذرى القوة بدون أن يحس بها فإن رأسه لم يدر ولم يركبه الغرور لقد كان في هذا كله كما وصفوه أيام كان في الفلوجة مزيجا من الجرأة المتناهية والهدوء الوديع».
رد اعتبار

وجاء افتتاح الرئيس السيسي أكبر قاعدة عسكرية جديدة في المنطقة الغربية قرب ليبيا وإطلاق أسم أول رئيس للجمهورية في مصر وهو اللواء محمد نجيب مثيرا للتساؤلات، عن ماذا يقصد السيسي بهذه التسمية؟ وهو ما قال عنه في «الأهرام» فاروق جويدة في عموده «هوامش حرة»:
أكثر من دلالة حملها حفل افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية وهي أكبر قاعدة برية في المنطقة العربية وإفريقيا، الدلالة الأولى أن القاعدة حملت اسم واحد من رموز ثورة يوليو/تموز الذين أهملهم التاريخ وظلمتهم الأحداث، وهو اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية بعد نجاح ثورة يوليو، وقد عاني الرجل كثيرا سجينا ومظلوما ومغضوبا عليه وفي ذلك التكريم رد اعتبار لتاريخه».

التباكي على محمد نجيب

وفي «الشروق» كتب طلعت إسماعيل قائلا: «هذا العام وعلى عكس السنوات الماضية جاءت ذكرى ثورة 23 يوليو/تموز بندابين جدد، هبطت الدماء الزرقاء فجأة على شرايينهم بعد أن تلقوا تعليما جامعيا مجانيا بفضل الثورة، فراحوا يترحمون على أيام الملكية، ويمجدون الاستعمار، قبل أن يهيلوا التراب على يوليو وصناعها تحت عنوان «الثورة ظلمت محمد نجيب» وقد حان الوقت لرد اعتباره.
بعض الكارهين لثورة يوليو وزعيمها جمال عبدالناصر وجدوا في تكريم نجيب بإطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية، فرصة لفتح ملفات قديمة ترافق كل احتفال بذكرى الثورة المجيدة، لبث سموم وأحقاد، ضد من انحازوا لصالح الفقراء والمعدمين، ومن كانوا يمشون حفاة عراة قبل عام 1952، فانتصرت الثورة لحقهم في نصيب عادل من ثروة بلدهم، قبل أن يلتف أصحاب الانفتاح، وابناء «الكامب» على كل تلك المكاسب.
محمد نجيب ضابط مصري وطني لا شك في ذلك، غير أن دوره في ثورة يوليو لا يزيد ولا ينقص عن المسار الذي قدر له. وقف الضباط الأحرار خلفه في انتخابات نادي الضباط في مواجهة مرشح الملك فاروق لقياس مدى قوتهم، ثم لجأوا إليه مع فجر الثورة كاسم معروف يمكن أن يكون «واجهة» مقبولة، قبل أن يتم اختياره، عقب إعلان النظام الجمهوري في 18 يونيو/حزيران 1953، ليكون أول رئيس يحكم مصر في العصر الحديث. خطط الضباط الأحرار لثورة وكان لديهم توجه واضح للتخلص من الاحتلال البريطاني، وتحرير السواد الأعظم من الشعب المصري من الثلاثة الأشهر «الفقر والجهل والمرض»، وعداء سافر للملك الفاسد وحاشيته.
في المقابل كان نجيب (مواليد 19 فبراير/شباط 1901)، لا يتجاوز تفكيره حدود العودة بالجيش إلى الثكنات، وتسليم السلطة للقوى القديمة التي فشلت في تحقيق أحلام المصريين في الاستقلال الوطني وطرد الاستعمار، والقضاء على الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، فكان منطقيا أن يختلف معه الضباط الاحرار ومجلس قيادة الثورة، حتى وصلنا إلى ما عرف بأزمة مارس/آذار 1954، قبل أن يغادر نجيب الساحة التي كان نهرها الهادر يمضي غير ملتفت إلى العقبات التي تعترض مسيرته. بعض المتباكين على اللواء نجيب، لغرض في نفس يعقوب، يتشدقون بالديمقراطية والقـــــيم الليبرالية التي كان يدافع عنها الرجل في مواجــــهة الديكتاتـــورية التي كان يتبناها عبدالناصر ورفاقه، وكأننا كنا قبل الثورة، وفي ظل الاستعمار نتيه خيلاء بأزهى عصور الحرية والديمقراطية، وكأن السفير البريطاني لم يكن يحكم ويتحكم.
البعض الآخر من المتباكين على نجيب يعتقدون أن بذكره، والنفخ فى مسيرته، يتقربون إلى أولي الأمر من ناحية، وينالون من عبدالناصر وتاريخه ودوره من الناحية الأخرى، ووصل الخطل إلى درجة دعوة بعض الحمقى لعودة الملكية، وعهدها البائس، وكأن عقارب الزمن يمكن أن ترجع إلى الوراء. نجيب كان مرحلة وانطوت ضمن مسيرة طويلة من تاريخ مصر ولا يصلح الاختباء خلف سيرة الرجل للنيل من ثورة ستبقى الأكثر تأثيرا في حياة المصريين، بدليل الصخب الذي يرافق ذكراها كل عام، فلا أحد يخشى الموتى لكن الأحياء من يُرهِبون».

واجهة لحركة سياسية ثورية

وفي «المصري اليوم» قال عمرو الشوبكي في عموده «معا»: «الحقيقة أن المرحوم محمد نجيب تعرض لظلم لسنوات طويلة، وواجب على الدولة العادلة أن ترفع أي مظلمة عن أي رئيس أو غفير، وتعيد له الاعتبار مثلما حدث مع شخصيات كثيرة، بدون أن تعتبره بالضرورة رمزا وطنيا كبيرا، وكأنه جمال عبدالناصر.
فالراحل محمد نجيب شخصية وطنية بلا أدنى شك ومصري أصيل لا يستحق التنكيل به ولو بالإقامة الجبرية، رغم أن في تجارب الثورات والتغييرات الجذرية التي عرفها العالم في القرن الماضي كان يتم إعدام الخصوم، وهو ما لم تقم به ثورة يوليو/تموز لا مع الملك ولا مع محمد نجيب، فالرجل كان واجهة لحركة سياسية ثورية أسسها جمال عبدالناصر اسمها الضباط الأحرار، جند داخلها ضباطا من كل الاتجاهات ولم يكن للمرحوم محمد نجيب أي دور في الحركة، ولا في الحياة السياسية، فلا هو سعد زغلول ولا مصطفى النحاس ولا عضو بارز في الضباط الأحرار، مثل يوسف صديق أو خالد وزكريا محيي الدين، ولا كمال الدين حسين ولا غيرهم.
ولم يعرف أن الضباط الأحرار قاموا بثورتهم واستولوا على مبنى قيادة الأركان إلا بعدها. باستثناء كراهية محمد نجيب لثورة يوليو التي نحتفل بها ولضباطها الأحـــــرار خاصة عبدالناصر، فإن الرجل لم تكن له بطولة من أي نوع أو تاريخ سياسي أو عسكري له رمزية معينة، ولم يؤلف كتابا استراتيجيا أو عسكريا يستــــحق أن تستلهمه الأجيال القادمة. في تاريخ مصر السياسي والعسكري هناك أسماء كبيرة مهم من الناحية الرمزية أن نستدعيها، أما الراحل محمد نجيب فهو لم يكن ضمن هؤلاء ولا يكفي التعـــاطف الإنساني معه لتحويله لرمز للأجيال الجديدة».

المصدر

مستجدات دستورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *