رغم تعويل جموع القضاة، على عدم تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسى، على تعديلات قانونية خاصة بـ”الهيئات القضائية”، والتى أقرها البرلمان الأربعاء الماضى رغم اعتراض الهيئات على هذه التعديلات، والتى ألغت مبدأ الأقدمية فى تعيين رؤساء الهيئات”مجلس القضاء الأعلى- مجلس الدولة- هيئة قضايا الدولة – النيابة الإدارية” ويعطى صلاحيات أوسع للرئيس فى الاختيار بعد ترشيح أقدم 7 نواب لرئيس الهيئة لاختيار 3 من بينهم، يختار الرئيس أحدهم للتعيين”وهو ما لم يحدث.
فاجأت الرئاسة القضاة، بالموافقة على القانون مساء الخميس الماضى، ونشرت الجريدة الرسمية التعديلات التى أجريت على قانون هيئة النيابة الإدارية وقانون هيئة قضايا الدولة وقانون السلطة القضائية وقانون مجلس الدولة وأصبحت نافذة.
وتنص التعديلات، على أن يرشح المجلس الأعلى لكل هيئة قضائية، أسماء ثلاثة من أقدم سبعة نواب لرئيسها المنتهية ولايته ليختار رئيس الجمهورية أحدهم لخلافته. ومن بين هذه الهيئات محكمة النقض أعلى محكمة مدنية فى البلاد، والتى ينظم عملها قانون السلطة القضائية.
وتبلغ فترة ولاية رئيس الهيئة القضائية أربع سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال عمله.
ونصت التعديلات، على وجوب إبلاغ رئيس الدولة بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس الهيئة بستين يومًا على الأقل، وفى حال “عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة أو ترشيح من لا تنطبق عليه. الضوابط، يعين رئيس الجمهورية رئيس الهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة”.
وكانت قبل تعديلها تنص على اختيار الجمعية العمومية لكل هيئة قضائية أحد القضاة ليرأسها ويقتصر دور رئيس الجمهورية على التصديق على هذا الاختيار.
وجرى العرف أن يجرى اختيار أقدم نواب رئيس الهيئة سنًا ليخلف رئيسها المنتهية ولايته.
وعلى خلفية هذه التطورات، قال المستشار سمير البهى رئيس نادى قضاة مجلس الدولة، إن تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على قانون السلطة القضائية، هو إعلان بوفاة استقلال القضاء فى مصر وانتهاء الحريات، العالم سيعرف أن القضاء فى مصر لا استقلال له”.
وأضاف “البهي”، فى تصريحاته لـ “المصريون”، أن الموافقة على هذا القانون هو عقاب لكل من يخالف الهوى السياسى وإلحاق السلطة القضائية برئاسة الجمهورية، وأن المعركة مع القضاء والأزهر محفوفة بالمخاطر على النظام والدولة، قائلاً: “بعد اليوم لا تنتظر حرية أو استثمار فى مصر، ولا كرامة لمواطن مصرى بدون استقلالية للقضاء، نحن نعلم أن هذا القرار سيتبعه أمور أخرى، فالغرض من كل ما يحدث الآن هو إحكام السيطرة على القضاء والأزهر”.
وأكد رئيس نادى قضاة مجلس الدولة، أن لديهم الخبرات لمواجهة هذه الهجمات الشرسة على كرامة وحريات المواطن، نحن فى جميع الأحوال مواطنين، مضيفًا: “نخشى على الوطن والمواطن وسنلجأ فى جميع الأحوال إلى كل الأساليب القانونية المتاحة، ولا يجب أن نختزل الأمر فى المحكمة الدستورية العليا، فهناك مجالس خاصة والعليا يجب أن تتحرك، فهى كانت تراهن على أن القانون لن يصدر بهذا العوار”.
وطالب المجالس الخاصة، باتخاذ خطوات وتحرك عاجل خلال هذه الأيام تجاه ما يحدث للقضاء والهجمة التى يتعرض لها.
وعن الأنباء التى ترددت بشأن استقالة جماعية لنادى قضاة مصر، كأحد الخطوات التصعيدية ردًا على تمرير القانون، قال المستشار عبد العزيز أبو عيانة رئيس نادى قضاة الإسكندرية وعضو المجلس الاستشارى لأندية قضاة الأقاليم، إن المجلس الاستشارى للنادى سيعقد اجتماعًا يوم الاثنين المقبل، يضم جميع رؤساء الأندية على مستوى الجمهورية، مضيفًا أنه بعد صدور القانون أصبح واجب التنفيذ وعلى الجميع احترامه ولكن يمكننا الطعن عليه.
وأَوضح “أبو عيانة”، فى تصريحاته لـ”المصريون”، أنه تم طرح بالفعل الاستقالة الجماعية لأعضاء نادى القضاة ولكنه محل دراسة، ولم يتم الإجماع عليه، مؤكدًا أن هناك أمورًا غامضة وأشياء غير مفهومة حول الموافقة على هذا القانون ولذلك علينا التريث لفهم ما يحدث، وأنه سيتم اتباع كافة السبل للطعن على هذا القانون.
وأما عن السيناريوهات التى قد تؤل إليها هذه الأزمة، يرى الدكتور فؤاد عبد النبى أستاذ القانون والفقيه الدستوري، أن تمرير مجلس النواب لقانون الهيئات القضائية رغم رفض كافة جهات القضاء بالدولة “فجور برلماني” ويعد إهانة لهيبة القضاء وإساءة وخبل من قبل هذا المجلس، متسائلاً: “على أى أساس مرر البرلمان القانون وضرب بدولة المؤسسات عرض الحائط ولم يعير رأى الهيئات القضائية أى اهتمام”.
وأوضح “عبد النبى”، فى تصريحاته لـ “المصريون”، أن موافقة الرئاسة على هذا القانون كانت متوقعة وذلك من أجل الانتخابات الرئاسية المقبلة وإحكام قبضة السلطة على القضاة، لأن البرلمان يخدم على مصلحة الرئاسة والرئاسة تخدم على البرلمان، بعد أن حصنت حل مجلس النواب، مؤكدًا أن التصديق على القانون من قبل الرئاسة إهانة للقضاء واغتصاب لشرف القضاء المصرى وهتك لعرض الشعب، بعد أن استحلت التعديلات كافة الضمانات الدستورية للمواطنين التى جاءت بالدستور.
واستطرد: أن الرئاسة بموافقتها على قانون السلطة القضائية، دخلت فى عش الدبابير “القضاة”، لأن هذه التعديلات أخطر من الإعلان الدستورى الذى أعلنه مرسى فى 2012، مطالبًا القضاة بضرورة التحرك واتخاذ كافة الإجراءات الممكنة فى آن واحد لأن الحدث جلل وإذا لم يكن لهم وقفة أمام ما يحدث سيكون هناك تمرد من الشعب على القضاء.
فيما يقول المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة السابق، إن موافقة مجلس النواب نهائيًا على تعديلات قانون السلطة القضائية دون الأخذ برأى الهيئات القضائية فى مشروعات القوانين المتعلقة بها، أمر غير دستورى ونوع من أنواع العبث.
وأضاف “الجمل” فى تصريحات خاصة لـ”المصريون”، أن الدستور ألزم كل الجهات القضائية ومقدمى مشاريع القوانين من السلطة التنفيذية والتشريعية بعرض المشروعات الخاصة بهم على الهيئات القضائية لإبداء الرأى بالموافقة أو الرفض ولا يجب الإهدار برأيها و فرض رأى السلطة التشريعية بالإجبار ويعتبر هذا مخالفًا للدستور.
وأوضح “الجمل”، أن الإجراء الذى اتخذه البرلمان وتم التصديق عليه من قبل الرئيس، سيتم الطعن عليه أمام الدستورية العليا، ويمكن للقضاة الاحتجاج على القانون لأنه يمثل نقل اختصاص الهيئات القضائية للجان الخاصة واختصاص الجمعيات العمومية لرئيس الجمهورية والطعن عليه أمام المحكمة الدستورية.
فيما انتقد صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري، ردود أفعال القضاة بشأن إقرار البرلمان لقانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية، بعد أن وصلت إلى اتهام السلطة التشريعية بالانحراف، كونه يعد قانونًا من أجل منع وصول أحد أعضاء هذه الهيئات لرئاسة مجلس الدولة بعد حكمه فى قضية تيران وصنافير.
وقال فى تصريحاته لـ”المصريون”، إن تصديق الرئيس على تعديلات قانون السلطة القضائية يعد انتصارًا للفصل بين السلطات، ودعمًا لدور البرلمان فى استخدام حقه فى التشريع دون أن تجور سلطة على أخرى.
وأوضح، أن إقرار البرلمان لتعديلات قوانين الهيئات القضائية التزام بصحيح الدستور والقانون، ولم يخالفها، وتصديق الرئيس عليها هو استخدامًا أيضًا لحقه الدستورى فى التصديق على القوانين الصادرة من مجلس النواب.
وأكد أن القضاة سلطة لها كل الاحترام والتقدير، لكن ردود أفعال البعض منهم وعلى رأسهم رئيس نادى قضاة مجلس الدولة فى حاجة إلى إعادة النظر، خاصة بعد حديثه أن قانون الهيئات القضائية من أجل شخص بعينه، مؤكدًا أن العديد من القضاة يرون أن القانون غير دستوري، وبالتالى يتبعون الإجراءات القانونية بشأنه.
ولفت عضو لجنة إعداد الدستور، إلى أنه بهذه الطريقة سيتم تفريغ البرلمان من مضمونه خاصة مع اعتراض كل جهة من جهات الدولة على التشريع بشأنها، ومن ثم وجب على البرلمان الدفاع عن نفسه واستخدام صلاحياته، موضحًا أنه كان من الممكن للبرلمان أن يخرج من هذه النقطة بتعميم طريقة اختيار القضاة على كل الهيئات القضائية، فيمكن استعارة الطريقة التى يتم اختيار رئيس المحكمة الدستورية بها وتطبيقها على الباقي.