إصلاح المنظمات في جميع القطاعات التربوية ،الاقتصادية والقضائية كان من أهم أهداف الثورة التي اندلعت منذ ست سنوات ،فتونس تعيش بعد 14 جانفي 2011 على وقع بناء مسار ديمقراطي سليم يقوم على القانون ومكافحة الفساد،اليوم وبعد مرور سنوات على هذا الحلم يطرح السؤال ماذا تحقق؟ خاصة على مستوى السلطة القضائية ،الإجابة طبقا للمشهد
الذي يتضح للعيان هي أن هذه السلطة لا تزال تعيش عثرات ولم تنتقل بعد بصفة نهائية من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم سواء على المستوى التشريعي أو المؤسساتي،الخطوة الأولى كانت تركيز المجلس الأعلى للقضاء ولكن هذا الأخير يواجه بدوره سلسلة من الإشكالات التي ساهمت بطريقة ما في تعطل إرساء هيئة دستورية مهمة جدا وهي المحكمة الدستورية التي ستكون خلفا للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.
عرّف القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 مؤرخ في 3 ديسمبر المحكمة الدستورية في فصله الأول على أنها هيئة قضائية مستقلة ضامنة لعلويّة الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريّات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بالدستور والمبيّنة بهذا القانون.
كما هو مبيّن أعلاه فإن المحكمة الدستورية قد سنّ لها قانون ينظمها منذ سنة 2015 ولكن إلى اليوم لم يتم تركيزها على أرض الواقع ،السبب الأول لتأخير هذه الخطوة في البداية كان المجلس الأعلى للقضاء وما عاشه من عثرات في تركيزه لأن هذه الهيئة الدستورية مرتبطة ارتباطا وثيق به بصفته يعيّن أربعة من أعضائها ليبقى القانون مجرّد حبر على ورق
إلى حين ،في 23 أكتوبر 2016 أجريت الانتخابات لتحديد تركيبة المجلس المذكور بعد المخاض العسير الذي عرفه القانون الأساسي المنظم له قبل ميلاده بقرار ختم من رئيس الجمهورية ،وفي موفي السنة المذكورة وتحديدا في 14 ديسمبر أدى الأعضاء المنتخبون اليمين أمام رئيس الجمهورية.
خطوة كانت بمثابة الأمل والتفاؤل بمواصلة السلطة القضائية مسارها نحو الوضع الدائم من خلال انطلاق أعمال المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي التحضير لتركيز المحكمة الدستورية ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن اذ عرف الوضع صلب المجلس الأعلى عدة تقلبات لا تزال متواصلة والتي كانت بدايتها بخلافات داخلية بين الأعضاء فيما بينهم ولكن اليوم
هذا الهيكل يطالب بتوفير ظروف العمل من مقرّ وميزانية الأمر الذي دفعه إلى التصعيد بعد قرار رئاسة الحكومة رفض نشر الأمر المتعلق بالمنح والامتيازات لفائدة أعضاء المجلس فما كان من بعض أعضائه إلاّ أن توجهوا إلى القضاء الإداري والطعن في ذلك القرار،هذه الغيمة السوداء التي تخيّم في سماء المجلس الأعلى للقضاء يبدو أنها متواصلة وسيتواصل معها تعطيل مسار إرساء المحكمة الدستورية.
أصوات عديد تعالت وطالبت بضرورة الإسراع في تركيز هذه الهيئة القضائية الدستورية لما لها من تأثير جدّ ايجابي في المسار الديمقراطي وبناء دولة القانون نظرا للمهام الموكولة إليها أبرزها مراقبة دستورية مشاريع القوانين ودستورية تعديل الدستور.
تركيبة المحكمة الدستورية طبقا للفصل 7 من القانون المنظم لها تضم 12 عضوا ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون،مهمة تعيينهم وانتخابهم موكولة الى ثلاثة اطراف ليس فقط المجلس الأعلى للقضاء بل أيضا رئاسة الجمهورية ومجلس نواب الشعب وذلك حسب ما ينصّ عليه الفصل 10 الذي يقول صراحة «يتم تعيين أعضاء المحكمة الدستورية تباعا من طرف مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية، وفقا للشروط المنصوص عليها بالفصلين 8 و9 من هذا القانون مع السعي إلى احترام مبدأ التناصف».3 ديسمبر المقبل تمرّ سنتان بالتمام والكمال على سنّ القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 والمتعلق بالمحكمة الدستورية والى اليوم لا يوجد تقدّم نحو إرسائها ما عدى تلقي لجنة الفرز
لمرشحي الكتل وقامت بفرز أول أثار جدلا واسعا وهو ما اضطرها إلى إعادة فتح باب الترشحات في انتظار نتائج الفرز للمرة الثانية ،إلى متى هذه الوضعية ومتى تتحوّل المحكمة الدستورية من مجرّد قانون وحبر على ورق إلى واقع ملموس؟