جاء في صلب دستور العراق لعام 2005 مبدأ الرقابة القضائية على الدستور لتفحص أي قانون من شاًنه أن يشكّل اعتداءً على نصوص الدستور وذلك من خلال وجود المحكمة الاتحادية العليا وعلى وفق أحكام المواد (92ـ 94) في الفرع الثاني من الفصل الثالث المتعلق بالسلطة القضائية بوصفها من السلطات الاتحادية الثلاث والمشار إليها في الباب الثالث من الدستور وهذا النوع من الرقابة تبنته اغلب دساتير الدول في الوقت الحاضر لما يتوفر على العديد من المزايا ذكرها بإسهاب المختصين من الكتّاب في الفقه الدستوري فإذا ثبت لتلك الهيئة القضائية عدم دستورية القانون أو إحدى مواده بسبب مخالفة القانون أو إحدى مواده لأحكام الدستور تقضي تلك الهيئة بعدم دستورية القانون او إحدى مواده وتقرر إلغاء القانون أو بعض مواده المخالفة للدستور . وبذلك يتحقق انعدام القانون او بعض مواده من الوجود لمخالفته الدستور وهذا المعنى يوضح لنا إن مفهوم القانون غير الدستوري وهو القانون الذي يصدر ويُعد نافذاً وهو مخالف لحكم الدستور ويؤشر لنا ان المشرع الذي اصدر ذلك القانون لم يلتزم بأحكام الدستور النافذ وهو الإطار الذي نعمل بموجبه ونطابق مشروعية الإعمال القانونية بالاستناد إليه لذلك فان أي قانون يصدر خلاف أحكام الدستور هو غير قانون غير شرعي واثبات عدم المشروعية، وهي ذات العبارة التي يصطلح عليها بعدم الدستورية، لا يجب أن يخضع إلى الأهواء والرغبات وإنما لابد من وجود مؤسسة دستورية مختصة تتولى ذلك. وفي العراق المحكمة الاتحادية العليا هي صاحبة الاختصاص حصراً ولا تملك أية جهة أخرى ذلك الاختصاص ولمعرفة مدى قدرة صانع القوانين (المشرع) على التوافق مع حكم الدستور ومراعاة ما ورد فيه فان أحكام القضاء الدستوري التي صدرت بعدم دستورية القوانين ستعطي لنا ذلك المؤشر مع الالتفات الا ان للسلطة التشريعية مهام أخرى لكن مهمتها الأساسية هي التشريع ومن ثم المهام الأخرى، ولتوضيح الأمر سأعرض له على وفق الآتي:عدد القوانين التي صدرت عن مجلس النواب من بداية عمله في عام 2005 ولغاية نهاية عام 2016 بلغ (482) أربعمئة واثنين وثمانين قانونا فقط وتوزعت على الأبواب التالية:
1. القوانين التي وردت للمصادقة على الاتفاقيات والانضمام لتلك الاتفاقيات بلغت (138) مئة وثمانية وثلاثين قانونا.
2. القوانين التي ألغت قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل بلغت (53) ثلاثة وخمسين قانوناً
3. القوانين التي عدلت القوانين النافذة بلغت (106) قوانين.
4. القوانين الأخرى بلغت (147) مئة وسبعة وأربعين قانونا فقط والتي صدرت لاستحداث مراكز قانونية تنفيذا لمواد الدستور مثل قوانين الانتخابات وغيرها وكذلك قوانين أخرى مثل معالجة مراكز صحية أو استحداث مناصب أو إضافة مخصصات فضلاً عن قوانين الموازنة الاتحادية وتعديلاتها.
5. قوانين بفك ارتباط بعض الدوائر وربطها بدوائر أخرى بلغت (8) ثمانية قوانين.
6. وعند النظر إلى نسبة القوانين الأساسية التي أصدرها المشرع العراقي للفترة من عام 2005 ولغاية عام 2006 فان نسبتها لا تزيد على 30% تقريباً وأدناه مخطط بياني يوضح ذلك
7. القوانين التي صدرت أحكام بعدم دستوريتها من القضاء الدستوري في العراق (المحكمة الاتحادية العليا) بلغ عددها (61) واحدا وستين قانونا أي ان نسبة القوانين غير الدستورية من اصل القوانين الأساسية تعادل 41% تقريباً مع العلم إن هذه القوانين ليس جميعها قوانين مفصلية وإنما بعضها يتعلق بإنشاء مركز صحي أو إضافة مخصصات وغيرها كما أشير إليه آنفاً وفي أدناه مخطط بياني يوضح ذلك
ومن خلال العرض أعلاه تظهر لنا النتائج الآتية:1. إن القضاء الدستوري في العراق كان راصداً ومتصدياً لأي خرق للدستور والوقوف بوجه الأهواء والرغبات السياسية التي تقف وراء إصدار مثل هذه القوانين لان للقوانين وظيفة سياسية تعبر عن مصالح القابضين على السلطة ومنهم الكتل والأحزاب السياسية التي يتكون منها مجلس النواب الذي يمثل السلطة المختصة بتشريع القوانين حصراً ويعد ذلك من الأمور الطبيعية في العمل التشريعي لان تلك الجهات لها جمهورها الذي انتخبها على أساس برنامجها وتوجهاتها مما لابد من عكس هذه التوجهات عبر قوانين يتم تشريعها.
2. إن نسبة 41% من القوانين الصادرة التي حكم بعدم دستوريتها يؤشر لنا وجود خلل في إدارة التشريع لان بعض الأحكام قضت بعدم الدستورية لأسباب تتعلق إما بمخالفة القانون لحكم نص دستوري أو مخالفة روح النص الدستوري ومضمونه أو مخالفة الآليات الدستورية التي واجب إتباعها عند تشريع القانون بمعنى ان عدم الدستورية كان لأسباب موضوعية وأخرى شكلية لكن تبقى هذه النسبة عالية قياساً بمقدار الحاصل النهائي لإنتاج القوانين مما يعني إن العملية التشريعية مازالت تعاني من نقص المعرفة في أسلوب وفن الصياغة التشريعية التي أصبحت علماً يدرس في أرقى كليات الحقوق في العالم، لان عضو مجلس النواب يظن بأنه قادر على صياغة تشريع لأنه أصبح نائباً وهذا غير صحيح لان النائب ليس دائماً مختص في علم القانون وحتى بعض المختصين في علم القانون ليس بالضرورة أن يكون مدركاً لفن الصياغة التشريعية وهذه النسبة من القوانين التي طعن بعدم دستوريتها لو استمرت في النفاذ لكانت من القوانين السيئة والتي يقول احد الفقهاء في القانون الدستوري ان( أسوء أنواع الطغيان هو القانون السيئ) وللمعالجة لابد من إدراك موطن الخلل بدءًاً ومن ثم طرح العلاج فإذا كان الخلل يتعلق باليات التشريع لابد من التشاور مع الجهات المختصة مثل الجهة التي طلبت تشريع القانون أو الجهة التي يتعدى حكم القانون إليها أما إذا كان الخلل في الصياغة لابد من إيجاد جهاز فني مختص بالصياغة التشريعية يكون جزء من دوائر مجلس النواب ويتكون من أهل الاختصاص حصراً يتولى مراجعة مشاريع القوانين ومقترحاتها قبل التصويت وبعده لتدارك أي خطأ جوهري في التشريع من اجل ضمان صدور القانون بأفضل حال .كذلك متابعة أحكام المحكمة الاتحادية المتعلقة بتفسير الدستور والطعن بعدم دستورية القوانين لضمان عدم مخالفتها لأنها أحكام ملزمة وواجبة النفاذ ولضمان عدم تكرار الخطأ الذي يؤدي حتما إلى تعطيل القانون عند الطعن فيه وهذا بلا أدنى شك يولد خسائر مرئية وغير مرئية في المال والوقت والجهد ولربما يؤثر على الاستقرار الأمني أو الاجتماعي.