تجاوزت تونس صراعا يتعلّق بتركيز الهيئة القضائية الاعلى في البلاد إستمر حوالي سنتين مما تسبب في تعطّل تركيز مؤسسة اخرى وهي المحكمة الدستورية التي يُعيّن ثلث أعضائها المجلس الاعلى للقضاء. واعتبر خبراء ان تلك الازمة وان وقع تجاوزها قانونيا فإنها ستنعكس على المحكمة الدستورية ذاتها وعلى القضاء التونسي ككل.
مجدي الورفلي من تونس: رغم معارضة عدد من الهياكل المهنية القضائية وعدد من النواب في البرلمان، وقّع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي على تعديل القانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء بعد مصادقة البرلمان عليه نهاية مارس الماضي، وبصدوره في الجريدة الرسمية، تجاوزت تونس صراعا طويلا بخصوص تركيز الهيئة القضائية الاعلى في البلاد، استمر حوالي سنة ونصف.
شهد مشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء منذ إحالته سنة 2015 من طرف الحكومة التونسية على البرلمان جدلا كبيرا مما تسبّب في تأخر تبنيه، ولكن تشعبت الإشكالية اكثر اثر إعلان هيئة الانتخابات عن النتائج النهائية لانتخابات المجلس الأعلى للقضاء حيث بان شغور احد المناصب في المجلس نظرا لعدم وجود مرشّح لتوليه، ثم حصلت شغورات اخرى بسبب إحالة عدد من القضاة المعينين بصفتهم في تركيبته على التقاعد.
مبادرة للتعديل وطعن
في محاولة لحلّ ازمة الشغور وعدم إكتمال نصاب المجلس الاعلى للقضاء لعقد جلسته الاولى، تقدّمت وزارة العدل التونسية بمقترح تعديل قانون المجلس الاعلى للقضاء، ورغم رفض الهياكل المهنية القضائية والمجتمع المدني في تونس للتنقيح وقيامها بتحركات احتجاجية، صادق البرلمان التونسي عليه في 28 مارس الماضي بأغلبية 120 صوتا.
ليدفع اثر ذلك 37 نائبا في البرلمان التونسي بطعن في عدم دستورية تعديل القانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء. ولكن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (وهي هيئة تعوض المحكمة الدستورية الى حين تركيزها) اعلنت عن قصورها في البت بدستورية التعديل الحكومي من عدمه، بسبب عدم توفر نصاب مجلسها لتقع إحالته على الرئيس التونسي الذي وقعه يوم الثلاثاء 18 ابريل ونُشر في الجريدة الرسمية التونسية.
أسف وخيبة أمل
إثر ختم الباجي قائد السبسي على تعديل قانون المجلس الاعلى للقضاء، اعلنت جمعية القضاة التونسيين في بيان تلقّت “إيلاف” نسخة منه عن “بالغ أسفها وعميق خيبة أملها” من قرار رئيس الجمهورية ختم القانون رغم عدم بت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في دستوريته ورغم جدية الطعن فيه من قبل 37 نائبا في مجلس نواب الشعب.
ويُذكر ان الفصل 81 من الدستور التونسي ينصّ على ان يختم رئيس الجمهورية القوانين ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في أجل لا يتجاوز أربعة أيام من انقضاء آجال الطعن بعدم الدستورية والرد دون حصول اي منهما.
ويبلغ عدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء 45 عضوا انتخب 33 منهم في أكتوبر من العام الماضي، في حين يبلغ عدد الأعضاء المعينين بالصفة 12 عضوا بمعدل 4 أعضاء عن كل مجلس قضائي، مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي.
الجلسة الاولى…
وفق ما افاد به مساعد رئيس البرلمان التونسي المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والسلطة القضائية صلاح البرقاوي لـ”إيلاف”، فإنه من المنتظر ان يكون الجمعة 28 ابريل الجاري تاريخا مبدئيّا لاول اجتماع للمجلس الاعلى للقضاء، حيث سيوّجه رئيس البرلمان محمد الناصر بداية الاسبوع المقبل دعوة لعقد الجلسة الاولى كما ينصّ التنقيح المثير للجدل.
إذ أورد الفصل الرابع من القانون بعد تعديله على أنه “تتمّ الدعوة وجوبا لانعقاد أول جلسة للمجلس الأعلى للقضاء من قبل رئيس مجلس نواب الشعب، وعند التعذّر من قبل أحد نائبيه، في أجل أقصاه 7 أيام من تاريخ دخول هذا القانون حيز النفاذ ولا تكون هذه الدعوة قابلة للطعن بأيّ وجه من الأوجه ولو بدعوى تجاوز السلطة”.
كما نص التعديل على انه وفي صورة عدم توفّر النصاب المنصوص “…تنعقد الجلسة صحيحة بعد ساعة على ألاّ يقلّ الحضور عن الثلث”، وتلك التعديلات وغيرها تصبّ في اتجاه ازالة موانع انعقاد المجلس الاعلى للقضاء كما قالت الحكومة حين اوردت مبادرتها الى البرلمان في تونس.
وتأسس المجلس الأعلى للقضاء لأول مرة في تونس في 1967 وكان حينها رئيس المجلس هو رئيس الجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة، ونائب الرئيس هو وزير العدل إلى جانب 14 عضوا، وابان الثورة التونسية في 2011 نادت أغلب القوى السياسية والقضائية بحل المجلس لكونه غير شرعي ولم يواصل نشاطه بعدها.
وفي 2 مايو 2013 وقع إحداث الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي لتقوم بجزء من مهام المجلس الاعلى للقضاء الى حين تركيزه، ليقرّ دستور 14 يناير 2014 إنشاء مجلس اعلى للقضاء تتمثل مهامه في الاشراف على القضاء بكل تفرعاته من تعيينات وغيرها.
أزمة سياسية تُلقي بظلالها
أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد يرى من خلال تصريح لـ”إيلاف” ان ازمة المجلس الاعلى للقضاء تم تجاوزها من الناحية الشرعية القانونية الخالصة ولكن لم يتم تجاوز المشكل بصفة جوهرية، فالقضية لا يمكن ان تُختصر في الجانب القانوني بل اعتبر ان الازمة اعمق من ذلك بكثير، ومن ربح معركة الشرعية لا يعني انه قد فاز المشروعية.
يؤكد الخبير الدستوري سعيّد انه ليس من باب الصدفة التي لا تُعرف لها اسباب ان يكون مشروع القانون المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء قد عرف هذا المسار المتعثّر لما يناهز السنتين، فالمشكلة حسب رأيه، تتمثل في الظاهر قانونية وفنية، ولكنها في الواقع سياسية بامتياز ومحاولة للسيطرة على القضاء.
واضاف قائلا “الفصل الحقيقي بين السلطات يجب ان يكون بين السلطة السياسية بمختلف مكوناتها والسلطة القضائية ولكن السلطة السياسية ارادت على مر التاريخ وتريد اليوم ان تكون مؤثرة سواء بصفة ظاهرة او في الخفاء في القضاء، وحينما تدخل السياسة قصور العدالة فان العدالة تخرج من تلك القصور ورجال السياسة يريدون عموما الجلوس في أرائك القضاة”.
خلُص الخبير الدستوري الى ان التوازنات السياسية التي اثرت في قانون المجلس الاعلى للقضاء ستلقي بظلالها على عديد المؤسسات القضائية وعلى رأسها المحكمة الدستورية وحيثما كان القضاة عموما.
تركيز المحكمة الدستورية
بتجاوز عقبة تركيز المجلس الاعلى للقضاء تمرّ تونس مباشرة الى تركيز المحكمة الدستورية، والذي صادق البرلمان على القانون المنظم لها منذ 20 نوفمبر 2015، والمحكمة ستتركب من 12 عضوا يعين كل من البرلمان والمجلس الاعلى للقضاء والرئيس التونسي 4 منهم.
أعلن البرلمان التونسي الجمعة في بلاغ تلقت “إيلاف” نسخة منه، انه تم تحديد موعد 5 مايو المقبل كأجل أقصى لتقديم كل الكتل البرلمانية لمرشحيها لعضوية المحكمة الدستورية لتُعقد إثر ذلك جلسة انتخابية صلب البرلمان لانتخاب اربعة اعضاء في المحكمة الدستورية.
وينص الفصل 120 من الدستور على ان المحكمة الدستورية تختص دون سواها بمراقبة دستورية مشاريع القوانين والقوانين والمعاهدات الدولية.